الخميس، 16 فبراير 2012

أثر العرب في الحضارة الأوروبية


كتاب بديع ورائع للعبقري المصري عباس محمود العقاد صاحب الصالون الثقافي الشهير وهو نبت القراءة الكثيرة والاطلاع الموسع وقد كان آية في الولع بالكتب وعلامة فارقة في تاريخ الأدب والثقافة والفلسفة العربية الحديثة .

يتحدث حول سبق الأمة الشرقية في علوم الإنسان المختلفة على غيرها من أمم العالم سيما الغربية التي تروج لتفردها وسبقها في مضمار الإنسانية حتى لا تستطيع أمة أن تقترب منها فضلاً عن أن تسبقها وتتجاوزها .

ويبدو أن ما دفع العقاد لكتابة هذا المؤلف الواقع في قرابة المئة صفحة هو نقض هذا الادعاء الكاذب وتقليم أظافر الكبرياء الغربي الذي نسي معه الغرب فضل العرب والشرق بصفة عامة على الإنسان وأنهم احتفظوا بآثار الحضارات السالفة ثم أبدعت بجهود أبنائها وتقدمت بالعلوم إلى حيث بدأت منه الحضارة الحديثة الغربية في منشئها ومنتهاها .

تعود أصول كثير من العلوم سيما العقائد السماوية التي انطلقت من الأراضي الشرقية والتدوين وصناعات السلم والحرب وآداب الحياة والسلوك والطب والعلوم والجغرافيا والفلك والرياضة والأدب والفنون الجميلة والموسيقى والفلسفة والدين وأحوال الحضارة والدولة والنظام .

ولم يجعل العقاد الفضل للعرب فقط بل للمرجعية النوعية التي ينتمي لها العرب وهم الأقوام السامية التي تجمعنا بالكنعانيين والمصريين القدامى والسياميين والعبرانيين وأن هذه الأقطاب القومية هي التي شكلت الحضارة الشرقية تنامت وجها مجموعة الفنون الانسانية ثم جاء الإسلام ليزيد من توظيف هذه الطاقات في سبيل الارتقاء بالفكرة الحضارية وتوسيع رقعة المنخرطين في بنائها من الفرس والترك وغيرهم من القوميات التي دانت بالإسلام أو عاشت في ظل جولته المديدة .

استخدم العقاد لإثبات فضل العرب في تغذية الحضارة الغربية الناشئة في المنطلقات العلمية والفكرية التأصيل التاريخي للعلوم الإنسانية وأوائل من تحدث عنها أو أشاؤ إلى مبادئها في حديث تقريبي ومقارنة تثبت بالحقائق التاريخية سبق العرب إلى هذا العلم .
وبما أن ( بعض الكلمات أدول من طوال المجلدات ) كما يقول العقاد فإنه كان يلجأ الى إثبات الأصل الحرفي لبعض الكلمات التي شاعت في لغة الحضارة القائمة بكافة أطيافها الغربية والتي تجد لها أخوات في اللغة العربية من أسماء الأيام إلى أسماء الفواكه .
في ص ١١٦ اختصر العقاد التناقل الحضاري الحادث بين الأمم البشرية مما لا يجعل لأمة الحق في الادعاء بفضلها ونفي الآخرين لأنها إرث إنساني مشترك تساهم في بنائه البشرية كلها كما تستفيد منه جلّها .
قال : " فلما انتهت أطوار الاجتماع إلى حضارة العصر الحاضر كانت أوربة هي مسرح التاريخ الذي تمثلت فيه هذه الأطوار " .
ولإثبات هذا بشكل عملي وبطريقة موضوعية ختم العقاد كتابه بمجموعة الآثار التي طبعتها الحضارة الأوروبية الحديثة على النهضة العربية وجعل أولى العناوين فيها " سداد الديون " وكأنه نوع من المكافأة على تفضل العرب بمدهم قرون طويلة بما يبصرهم الطريق الى المجد والسؤدد .
وكان لهم علينا كما يرى العقاد فضل في علوم الاجتماع والسياسة والحكومة البرلمانية والوطنية والحركات الدينية والأخلاق والعادات والأدب والفن والصحافة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق