الخميس، 16 فبراير 2012
الحديث عن المرأة والديانات
الحديث عن المرأة والديانات
كتاب يقع في قرابة المئة وخمسين صفحة أو تزيد للمفكر الليبي الصادق النيهوم ، لم أعرفه من قبل ولكنني سمعت عن قدرته التفكيكية والتعبيرية الغاية في النوعية والفرادة ، وهذا ما لمسته في اطروحاته التي تنساب بهدوء إلى وعيك وتتموضع في مكان عميق من تفكيرك حتى لكأنها الحقيقة المتناهية التي استقرت بعد قناعة .
يبدأك الحديث عن المرأة في التوراة واعتبارها المسؤولة المباشرة عن خطيئة آدم ...في جنة الله ، ولذلك اعتبرت الولادة التي تختص بها المرأة عقوبة لها وجزاءاً لفعلتها وتبقى في نجسها ويتجنبها الرجل حتى يحين تطهرها .
بينما يأتي الإسلام بصورة أكثر تحضراً وتسامحاً مع المرأة في سبيل إدماجها في المجتمع وتبنيها موقعها الأثير في أرض الله .
استخدم - النيهوم - الطلاق في الأمة المسيحية دليلاً آخر على فساد الدين النصراني وانحرافه عن الفطرة ، عندما فرض عليه التحريم وضاق الناس بهذا التشريع وابتدعوا طرقهم التحايلية للفرار من ذلك .
بينما تجد المسيحية ما يبرر تشريعها لإنقاذ المجتمع من سيطرة " الرجل " في الأمة التوراتية وقد تلاعب في أحكام الطلاق لصالحه وجعل أزمّته بيده ليبدأ مشوار الظلم على المرأة المسكينة .
ولكن الإسلام يأتي مجدداً ليقرّ موازين العدل والنزاهة وينصب راية الحق بتشريعات المتوازنة والمعقولة والوسطية .
ثم جاء العهد الأوروبي الحديث ليستنقذ المرأة من ظلم الديانات الفاسدة والرجل الظالم ولكن الحماس أخذه إلى فضاءات التيه ، وشاركت المرأة في صنع عالمها الضبابي وأخطأت في استخدام تعبير " المساواة " في ظل اختلاف البنية الوظيفية لكل من الرجل والمرأة .
وأحدثت النتائج الأولية للحرية والعدالة والمساواة رغبة في الازدياد وترسيخاً لصواب هذا النهج ، بينما تمعن المرأة في الانحراف عن مسارها الوظيفي ودورها الفطري كلما طالبت بالاقتراب أكثر من الرجال والتزاحم على الفرص الواحدة مدعاة للمساواة .
استثارت النجاحات الأوروبية الأولية الرغبة لدى أمم الأرض لتمثل هذا النموذج وجعلت الانتصار للمرأة علامة التحضر وبداية الطريق وناصية التحديث ، وليست أمتنا بمنأى عن هذا التقليد المسعور وعملت على استنساخ التجربة الأوروبية في تعليم المرأة العربية بعجرها وبجرها .
وحدثت الفجوة العظمى بين جيلين وعقلين وفكرين وإنسانين ، التقليدي والمتحضر ، القديم والحديث ، الأمي والمتعلم ، الآباء والأبناء .
لقد تجاهل رعاة الفكر والتربية والتعليم ضرورة التدرج التي اتبعتها أوروبا وتناست أن تحدث استعداداً اجتماعياً لهذه النقلة التحديثية في تعليم المجتمع ، ثم إنها جعلت المرأة والرجل على قدم المساواة في التعليم والتوظيف وتكافؤ الفرص دون التفاتة بصيرة على تباين الوظائف والأدوار وقراءة حاجات المجتمع وما زالت النتائج تثبت خطورة الوضع كلما غالى المعنيون في تتبع خطوات الغرب دون بصيرة ودراسة كافية .
مرة أخرى وليس بعيداً عن حال المرأة في العالم أجمع تعيش المرأة العربية حبيسة الموروث الاجتماعي ، مجموعة تقاليد اجتماعية وموروثات تماهت مع الدين والعرف والتقليد حتى أصبحت راسخة لا تزحزحها مداميك التنوير والنقد .
لقد تبنت الأمة العربية بعض موروثات الديانة التوراتية واعتبرتها أصيلة في عمق الدين الاسلامي ، ولم تهضم حق شريعة حمورابي القديمة في حصتها من البناء الاجتماعي للسلوك والتصور والاعتقاد العربي .
تناول الكاتب سلسلة التشابه بين كل هذه التكوينات الثلاث ( الموروث التوراتي - شريعة حورابي - الواقع العربي ) وترك للقارئ أن يقوم بعملية اكتشاف الصواب من الخطأ والثابت من المتحول .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق