الاثنين، 17 ديسمبر 2012

ميلاد مجتمع ( شبكة العلاقات الاجتماعية )



مالك بن نبي مفكر جزائري لم يكتشف بعد ، له من المؤلفات كثير وهو بشروط النهضة خبير وبالاهتمام والقراءة له جدير ، بالنسبة لي يعتبر هذا الكتاب الأول الذي أقرأه لهذا المفكر الناضج ، غير أني سمعت عنه كثيراً وقرأت عنه أكثر مما قرأت له ، وإذ قرأت له هذا الكتاب واكتشفت قدرته على الفهم والإحاطة وسبر أغوار عوائق النهضة الإسلامية فإني لا أستغرب ممن شهدت له الأمه بالعلم والفهم .
وهو عندما يتحدث فإنه مشبع بالثقافة الإسلامية سيما في مصدرها القرآني الذي استنطق منه السنن الكونية وأنزلها على الوقائع التاريخية ، كما أنه ملم بالنتاج الغربي الحضاري وهو عاش طويلاً بينهم وأحاط بثقافتهم .
وهنا في هذا الكتاب لا يتحدث عن بنية المجتمعات الراغبة في التقدم بطريقة سطحية ولا مباشرة ، ولكنه يتناول المقومات السليمة والأساسات القويمة اللازمة لأي مجتمع ينوي التحرك باتجاه التمدن والتقدم والنهوض وإفساح مقعد له من بين أمم الصدارة والتأثير .
إنه يتناولك عبر كتابه في تراتبية مترابطة ومتسلسل منطقي لإقامة مجتمع نشط له غاية وحكمة ومصوغ في إطار علائقي متين وفاعل ، وهذه شروط المجتمعات الحية والناجحة ، وإذا كان بعض مفكري الغرب أسس المجتمعات على قاعدة ( الجدلية الطبقية ) أو ( التحدي الجيوسياسي ) فإن ابن نبي لا ينفي هذا بقدر ما يسوق تأكيدات تاريخية لدور الدين كذلك في حفز المجتمعات على التعاون وتحقيق فاعليتها الاجتماعية الثرية .
ثم يثري أفكارك ويصوغ ذهنيتك وينضج تصوراتك بحزمة من ضرورات بناء المجتمع القوي الذي ينخرط فيه شخوص أقوياء على أساس تربية اجتماعية رشيدة وليس مجرد أفراد منفصلين في جزر مستقلة ومتباعدة لا يكونون مجتمعاً فاضلاً ولا يحققون غاية راشدة .
أستطيع أن أقول ابتداءاً أن المفكر مالك بن نبي بمسحته الإسلامية المعتدلة يملك مشروع نهضة متكامل ، إذ يبدو ذلك من تناوله لبناء العلاقات الاجتماعية في صورتها العميقة وليست مجرد العلاقات الثنائية التبادلية المباشرة ، هذا مالك بن نبي الذي يجسد المفكر الحقيقي اللازم لمشروع النهضة الغائب عن العرب والمسلمين .

العرب ( وجهة نظر يابانية )



يملك هذا الكتاب شهرة واسعة في الأوساط الأدبية العربية ، وهو حديث أديب ياباني مستعرب عاش طويلاً في بوادي مصر وسوريا وحواضرها وزار حضرموت باليمن والمغرب ، وسبر غور الأدب العربي قديمه وحديثه سيما الرواية وعشق قلم الليبي إبراهيم الكوني والمغربي عبد اللطيف اللعبي والفلسطيني غسان كنفاني والمصري يوسف إدريس .
وتحدث نوبواكي نوتوهارا عن أربعين سنة عاشها في البلاد العربية ودراسة الأدب العربي وجمعته علاقات واسعة بالبدو والأدباء والرواة العرب ، كانت كفيلة أن تؤهله لكتابة مؤلف يكشف عن وجهة نظره في العالم العربي بكل آمالهم وآلامهم سيما إذا كانت من وجهة نظر رجل ياباني يمثل ثقافة مغايرة ومختلفة وشديدة البون ، إذاً ثقافتان مغيبتان عن بعضهما ومحجوبتان إلا من جسر أوروبي مهلهل ممدود بينهما وواصل إلى بعضهما ولكنه لا يؤمن جانبه ولا يضمن سالكه .
بدأ اليابانيون منذ الجيل الأول حتى الجيل الشاب الرابع اكتشاف العرب بأنفسهم ، ومد جسور تواصل مباشر بين الثقافتين وعدم الاعتماد على وسطاء ربما يضللون الحقائق ويضربون بالعوائق دون تواصل حر ونزيه .
أما العرب في وجهة نظر نوبواكي نوتوهارا فإنهم يعانون من ويلات القمع السياسي ، تسيطر عليهم حكومات غير منتخبة ولا شرعية ولا حريصة على مستقبلهم ، ينتشر الخوف والفساد وتنعدم الثقة وتضيع الثروات ويستشري بلاء الاستبداد في كل مكان ، هذا في الحواضر المستقرة .
أما في الصحراء فهناك إنسان آخر ، يعيش انسجاماً بارعاً مع الطبيعة الصحرواية القاهرة ، يمارس الصبر كأسلوب حياة لمقاومة المحل والضجر الذي لا يعرفه الصحراوي على أساس أن مفهوم الزمن عنده يختلف عن الرجل المستقر ( المتمدين ) .
الكتاب مكتوب بلغة العرب بمعنى أنه موجه إلى القارئ العربي ، وهو شبه مقارنة بين العرب وبين الحالة اليابانية التي شكلت طموحاً عربياً مشروعاً بعد تفوقهم على ضعفهم ونوايا القوى العظمى السيئة تجاههم ، لا سبيل للتشكيك في نوايا الكاتب الياباني الذي تناول الحالة العربية بكل عاهاتها لأنه يكتب بطريقة موضوعية ومباشرة دون مرواغة أو أدنى محاولة للشك في مراميه البعيدة واعتمد إلى حد بعيد على معاشرة الرجل العربي في بواديه وحواضره وعلى نتاج الرواية الأدبية التي جسدت له الأبعاد التاريخية والأسطورية والذهنية لسلوك العرب .

أسئلة الثورة



منذ فترة طويلة وأنا لم أقرأ كتاباً بصوت عالي وحماس كبير ، كنت أحياناً أقرأ كتباً وكأنها تتقاذفني بالأفكار الجهنمية والكشوفات الفكرية التي تصل حرارتها إلى سويداء قلبك فتستفز تعشقه للحقائق ونهمته المعرفية ، وهذا غاية ما بلغته عندما تلوت تراتيل سلمان العودة في هذا الكتاب الناضج الرائج .
ورغم أن شكل هذه القراءة التي تخلّت كلية عن هدوء القراءة الذي تتطلبه القراءة الناقدة كشرط أصيل ، إلا أن بعض الأفكار والصور الثقافية تصلك بصدقيتها مباشرة دون حاجة إلى مبرر عقلي أو تحوط ثقافي .
هذا الكتاب مرهون بهذه الحقبة الثقافية والزمنية التي شهدت حدثاً عالمياً وإنسانياً ضخماً ، وهذه الصورة الجديدة لسلمان العودة لا يمكن تفسيرها دون الإحاطة بظروف الثورات العربية التي قلبت أنظمة حكم عتيقة ومستبدة وضاربة في العراقة البوليسية وجذور الفساد المستشرية في كل أطراف البلاد .
لقد هزّت هذه الثورات كراسي الحكم وأدوات الفهم وخطوط الرسم ، لقد غيرت كل شيء ، فمن راغب في المواكبة إلى انتهازي ينوي الاستغلال إلى متأثر لم يسلم من التغيير إلى صانع يهم بالمشاركة ، ويبدو أن سلمان العودة أراد بكتابه الأخيرة والأولى منها .
الكتاب يجيب من الجانب الشرعي ابتداءاً عن كل أسئلة الثورة من انطلاق شرارتها وحكم القيام بها إلى قطف ثمارها وتحصيل نتائجها وما بين ذينك من ظروف وأحداث واستثناءات وتصفيات وانحناءات وتجليات ، رغم صغر حجم الكتاب وقلة عدد أبوابه ولكن الشيخ الفاضل حاول أن يستوعب كل ملابسات ومستلزمات الثورة وكأنه حقيبة ثورية متطلبة لكل مشروع ثورة جديد في طور التحضير أو الإنفاذ أو مجرد النية .



نازح من جازان


لشاب مثلي يعيش في محافظة تتوسط منطقتي مكة المكرمة وجازان لم يكن بعيداً كثيراً عن أحداث الحرب السعودية الحوثية ، إذ كانت أرى أرتال الجيش السعودي وقطعه العسكرية تقطع وسط قريتي البسيطة متجهة نحو جازان قادمة من تبوك الشمالية الباردة .
وأكثر من هذا عندما يشارك اثنان من إخوتي في الجيش السعودي وفي الجبهة بالتحديد ، كانوا وقتها يهاتفوننا بشكل مستمر ليخففوا من الضغوط النفسية ويبقون على اتصال دائم بأهليهم ، كانوا يحدثوننا عن كون المسألة جادة وليست مجرد تطهير وطرد للمتسللين الحوثيين .
ولكن مفاجآت التمرد الحوثي على الحدود السعودية كانت خافية على مواطن بسيط عادي يتغذى بالأخبار من الصحف والفضائيات المحلية التي تمارس تحفظاً قاسياً وأفقاً ضيقاً للغاية ، ولكن هادي فقيهي الذي نشأ وترعرع في المنطقة نفسها وتجرعت عائلته ويلات النزوح قرابة العام يمكن أن يقدم وجبة دسمة لكل متطلع ، يمكن أن يكتب ما يستحق القراءة ، وبالفعل .
الكتاب يبدأ في تعريفك بالمناطق التي دارت فيها رحى الحرب وانتشرت فيها مجاميع الحوثيين الذين اخترقوا السيادة السعودية وعرضوا أنفسهم لقسوة جيش مدجج يمتلك قوة جوية ضاربة ، ولكن الحرب هي نفسها بشحوبها ووحشيتها التي تتمدد في الأوساط الشعبية على الجانبين وتلقي بأوزارها على المدنيين .
بإمكانك عبر هذا الكتاب أن تعرف خلفية المتمرد الحوثي ومطالبه السياسية ، وتحيط ببعض الظروف التاريخية للحرب الحوثية التي تكررت خمس مرات سابقاً وكانت السادسة هي الأخيرة التي تجاوزت حدودها الجغرافية إلى الوطن السعودي وتسببت في تغيير معالم الحدود بين الشقيقتين التي عاشت مخاضات صعبة وتحديات سياسية مختلفة وستعرف شيئاً عن هذا في الكتاب نفسه .
المؤلم هو وجه الحرب الآخر ، فرغم الحسم العسكري السعودي للتمرد الحوثي والذي لم يسلم من بعض أخطاء تكتيكية وخسائر بشرية على الجانب السعودي وبالطبع على الجانب الحوثي وهذه عادة الحرب ، إلا أن المدنيين هم من يدفع الفاتورة الأغلى في الحرب ، إذ عاشوا ويلات النزوح وأخطاء البيروقراطية المقيتة وضعف التجاوب الإداري وكانت الآثار مؤذية ومؤسفة للقارئ كذلك .



الثقافة السياسية في السعودية




كل إصدارات المركز الثقافي العربي تؤخذ من جانب الكثير على محمل الجد والاهتمام ، وهذا الكتاب الذي خطه فايد العليوي يسبر غور واحدة من المحظورات الاجتماعية والثقافية والسياسية في المملكة العربية السعودية عرين السلفية الإسلامية التي انتهجت أساليب متحفظة في التربية الاجتماعية والحراك الثقافي والنشاط السياسي .
تحفظ ونأي بالنفس يأخذ أشكالاً متعددة وتبريرات مختلفة باسم التقاليد والدين واللارغبة السياسية ، أحياناً يغلو إلى درجة العطالة الفكرية وخسارة الرهانات السياسية وتفويت مصالح الشعوب وتمرير الأخطاء القاتلة .
ورغم أن الكتاب متخفف من أثقال الشروط الأكاديمية والبحثية ويتناول القضية من جانبها الاجتماعي والثقافي مما جعله سهلاً هنيئاً مريئاً لقارئ بسيط وعادي مثلي ، وهنا تكمن ضرورة الكتاب وتوجهه الذي يكشف عن ضحالة الثقافة السياسية في الأوساط الشعبية والمجتمعية السعودية .
ولقد أكد الكاتب عبر مقطوعاته التاريخية والعلمية واقتباساته لبعض الكتاب الغرب والعرب عن أهمية الثقافة السياسية لأي مجتمع ينوي التقدم والنهوض والازدهار ونيل حقوقه المشروعة ومواكبة الأمم والشعوب التي تشرئب لمستقبل مشرق وكريم وسعيد لها ولأجيالها .
تناول العليوي ضعف الاستعداد الاجتماعي لتشرب الثقافة السياسية وأسباب ذلك التي تتوزع بين انخفاض الرغبة الشعبية منذ التربية الأسرية إلى اللامبالاة التعليمية حتى بلوغ المواطن مراحل عمرية ووظيفية كلها تسهم في تجنيب الفرد أي نية أو حتى أبسط احتكاك للتزود بثقافة سياسية تحقق له الاندماج السياسي والنشاط الثقافي والحراك الاجتماعي الذي يضمن تحصيل الحقوق وتطوير المنظومة الوطنية في كافة جوانبها .
تناول الكاتب ( أنظمة الحكم ، الحرية ، الوطنية والمواطنة ، المعارضة ، البطانة ، الدولة ) حسب الثقافة السياسية السعودية ، وكشف عن ضعف الدراية بها التي تصل إلى حد تشوه المفاهيم وتعرضها لحالات انتقاص وتضليل كبيرة ، وبعضها الآخر يمارس على هيئة بدائل غير ناضجة ولا مستوفية لشروط فاعليتها وتأثيرها الحقيقية ، باختصار تكون موظفة على نحو منزوع الدسم .



أولويات العرب .. قراءة في المعكوس


( خمسون مقالاً يبحث عن الحقيقة )

كوب شاي عدني وجريدة الشرق الأوسط هي التعبير الصارخ والتقليدي لصباحاتي في مدينة الرخاء والشدة ( جدة ) ، والشرق الأوسط رغم أنها تمثل ذروة الخطاب المتصهين حسب رأي بعض إخوان السعودية ولكنها جريدة العرب الدولية كما تعرف نفسها وتحوي ما يستحق الاهتمام والقراءة .
ومن كتابها ممن أحب القراءة له وتتبع حروفه في الجريدة هو أستاذ السياسة الكويتي محمد الرميحي ، وهذه المرة جمع مقالاته في كتاب واحد لمناقشة قضايا العرب التاريخية والراهنة وسؤال المستقبل الضبابي ، ويتناول كل الظروف والأحداث العالمية التي لها صلة من قريب أو بعيد بالشأن العربي .
الرميحي يكتب بتعقل ولا شك ، ولكن التعقل أحياناً يكون انبطاحاً وقبولاً بالألم وربما يصل إلى حد الرضا به والاحتفال له بعد درجة التعايش وقبول الأمر الواقع ، هذا ما يقوله خصوم ( الخطاب المتصهين ) وأنا أوافقهم بعض الشيء وأخالفهم أحياناً وربما دائماً .
يجب أن نستقوي قبل أن نعوي ، إذ عندما نولول وندبج خطابات قذائفية ونحن لا نملك قوة حقيقية ننافح بها عن مشاريعنا وخططنا فإننا في الحقيقة نعطي العدو تبريراً لقتل ما تبقى من حياة في قلوبنا وأجيالنا ، في المقابل عندما تسد الأبواب في وجوه من يريد العمل ومواجهة العدو بالصدق والنزاهة وامتلاك القوة فإن المواجهة بالقليل خير من قبول الأمر الواقع على طبق من الإذلال والإهانة .
هذا ما يحدث في قضية العرب الأولى ( الصراع الفلسطيني الصهيوني ) ويجري على ما تبقى من قضايا وإشكالات الرجل العربي الذي هرم من انتظار الانتصارات المؤجلة لحكامه العظام الضخام الجسام .
الرميحي له قدر من التعقل وحظ وافر من الدراية التاريخية للحراك السياسي الشرق الأوسطي ونصيب لا بأس به من القدرة على التنبؤ بالمستقبل وفهم واسع لنوايا وخبايا القوى النشطة في المنطقة وهذه شروط الكتابة السياسية ، وله قلم جيد متميز وعذب يستحق القراءة .

حصون التخلف ( موانع النهوض في حوارات ومكاشفات )



أما إبراهيم البليهي المفكر السعودي صاحب التجربة الإدارية في بلديات المملكة وصاحب الأطروحات الفكرية الغريبة على أرض سعودية لم تبارح طبيعتها التقليدية ولا صورتها المنضبطة بحياض شرعي متين وسياج اجتماعي حصين .
جمع هذا الكتاب من مجموعة حوارات له في الصحف السعودية والندوات الحوارية والمنتديات الإلكترونية وأجزاء من كتب قام بتأليفها شراكة مع غيره من المؤلفين ، وهي أسئلة عامة وخاصة حول قناعاته وأطروحاته ومرئياته حول قضايا عامة وهامة بالنسبة لرجل عربي ومسلم يبحث عن ضالته وينشد مخرجاً لحالته .
وهو متذمم من حالة العرب وسلبيتهم المقيتة وعطالتهم الحضارية وتأكيده المتكرر على عدم مشاركتهم في أي تقدم للبشرية أو ضخهم شيئاً من النفع والفائدة للحضارات البشرية ، فضلاً عن تأكيده اليقيني بفرادة الحضارة الغربية العصرية وأنها غاية ما بلغه الإنسان من حضارة وتقدم وعدالة على الأرض .
ولدى البليهي خارطة طريق للخروج من أزمة العرب والمسلمين ، ويصر أن أفضل الطرق وأقوم المسالك هو الليبرالية التي تضمن لقيم الإسلام ومبادئه أن تنمو وتعيش وتتطور في إطار حر ومتسامح ويسلم الأمة من شرور الإكراه والاستبداد والفساد .
البليهي ليس رجلاً عادياً ، وبالنسبة لي فإن مفكراً يحمل هذه القناعات المستنيرة والتقدمية في ظل ثقافة تقليدية ومتخلفة تعتبر شجاعة أدبية عالية ، وإن كنت أحياناً متحفظاً على بعض قناعاته التي تعود باليأس على الرجل العربي وتقديس كل ما ينتمي إلى الآخر وهذا خلاف الموضوعية والدقة المتوخاة في القراءة الفكرية الهادئة والمتزنة .
وهو يشنع على الثقافة والتركيبة الذهنية للمجتمعات العربية ويعلق عليها العلات التي تعود على الأمة بالتخلف وتقيدها دون مطامحها الحضارية وفاعليتها البشرية ، وهذا صحيح إلى حد بعيد لأن كل الحلول التي ستتخذ بمنأى عن تفكيك هذه القيود الاجتماعية وحلحلة العقد الذهنية والثقافية ستبقى مجرد تطبيب سطحي ومعالجة شكليه لا تعود بأدنى نفع أو فائدة .
للبليهي مشروع قادم وهو مؤلفات بأجزاء يمكن قراءتها مجتمعة أو منفصلة في بنية الجهل ومقومات التقدم ولعله تأخر طويلاً لشدة تعقيد القضايا المتعلقة وفداحة الأسباب المتصلة بالموضوع كما يقول البليهي .



الخميس، 13 ديسمبر 2012

الإخوان المسلمون في الخليج




مرة أخرى تأتي إصدارات مركز المسبار للبحوث والدراسات وكالعادة لقراءة الحالة السعودية في صورتها الفكرية والثقافية والاجتماعية ، هذه المرة عبر جماعة الإخوان المسلمين الشهيرة وصاحبة السبق والطول والحول في العالم الإسلامي .
كان للإخوان المسلمون ثمة وجود لا يستبعد استمراره مختبئاً وصريحاً في الوطن الخليجي ، غير أن بحاثة المسبار يكشفون عن نوايا هذا الوجود ومبرراته السياسية والتمويلية ، فضلاً عن القراءة في تاريخية التجربة وحضورها الراهن وعلاقتها بالحكومات القائمة الخليجية التي تضيق بمثل هذه التكوينات السياسية ، وقراءة التفاعل الاجتماعي والتجاوب الثقافي مع أدبيات هذه الجماعة التي تنوعت بين انحسار الشك وانبراء الثقة .



ملامح المستقبل



محمد حامد الأحمري صاحب هذا الكتاب ليس رجلاً عادياً ، فهو مبشر الديمقراطية في الوطن الخليجي ، عاش قسطاً وافراً من عمره في الولايات المتحدة وعاد محملاً بالقناعات حول جدوى هذا الفضاء السياسي الفذ ، غادر بلدته الجنوبية من السعودية إلى الدوحة القطرية واختار التسمي بجنسيتها ، رجل هادئ ومقنع وموسوعي ومؤمن بهويته العربية والإسلامية .
أضيف إلى كل ذلك قدرته على التفاؤل رغم كل دواعي اليأس في العالم العربي والإسلامي ، وفي هذا الكتاب بالتحديد الأحمري المنعتق من قبضة السذاجة السياسية السلفية يؤكد أن ملامح المستقبل تتخلق على نحو يعيد للإسلام والعروبة دورهما من قيادة هذا العالم .
استجدى الأحمري كل معطيات الغرب ونتائج التوق العربي والإسلامي للتأكيد على الفرص الواسعة التي يكشف ثغرها عن ابتسامة عريضة في وجه العالم العربي والإسلامي .

السلفية الجامية ( عقيدة الطاعة وتبديع المختلف )



إذا كانت البلدان العربية تعيش ثورات شعبية جامحة فإن السعودية بحراك اجتماعي وثقافي على غير العادة ، الصواب أن السعودية منذ الثمانينات وهي لم تهدأ ولكنها وبفعل شبكات التواصل الاجتماعي التي مشفت عن عطش اجتماعي للتعبير وتوق شعبي للإفصاح عن ذوات تتباين رؤاها وآراؤها تجاه الوطن والفكر والمعتقد .
السلفية الجامية لها ظروفها التاريخية المعجونة بالأثر السياسي الواضح ، إذ تعرف الجامية أو تتهم بالمغالاة في عقيدة الطاعة لولاة الأمر كشرط سلفي أصيل والاهتمام بتبديع المخالف في كل صغيرة وكبيرة حتى لتكاد تنشق على نفسها وتنشطر كينونتها لشدة ما يوظفون أدوات النقد والمراجعات الشرعية لضمان العصمة العقدية .
الكتاب جاء ضمن إصدارات مركز المسبار للبحوث والدراسات التي تهتم كل عام بقراءة الحالة الفكرية والثقافية والاجتماعية في السعودية وتوظيف الباحثين والدارسين والمهتمين لاستصدار دراساتهم وبحوثهم في هذا الشأن ، رغم أن القضية المتناولة في الكتاب سعودية بحتة إلا أن غالب المشاركين فيه من خارج الحراك المحلي ولكنهم أجادوا وأفادوا في هذا الباب .

جداريات بيروتية ولوحات قاهرية



بنهاية يوم السبت ٢١ / ١٠ / ١٤٣٣ انتهيت من قراءة هذا الكتاب وهو عبارة عن ( يوميات صحفي في أزمنة التحول ) كتبها نواف القديمي أثناء زيارته لدولة لبنان الأرز وجمهورية مصر العربية طاف فيهما عدداً من أشهر معالمها التاريخية والعمرانية وزار نزراً من رجالات الفكر والثقافة والحراك الاجتماعي والسياسي .
القديمي عندما يكتب فهو بلغة رشيقة وروح أديب نختبئ وراء غلظة اهتماماته السياسية والفكرية الجامدة ، وعندما يتحدث عن بلد مثل لبنان مكتظ بالروح الثقافية العبقة والنفس السياسي المحموم فإن الحروف تكتنز كل هذه الحراك الموار والنشاط الفوار ، فضلاً عن نسيم بارد يتسرب من سفوح الجبال اللبنانية ويتلون باخضرار الأرض التي خبرت الجمال والسياسة والحرب .
أما مصر العربية الفرعونية الإخوانية المباركية الناصرية الساداتية القومية الليبرالية ، والبسيطة بشعبها كثير الخلطة لطيف المعشر حاضر النكتة قريب إلى القلب متباسط ومثقف ومجرب للسياسة والحرب والديمقراطية المنقوصة ، وكل هذا المزيج الفوضوي الرائع ستعيشه حياً في حروف هذا الكتاب .
أصبحت موقناً لحاجتنا إلى قلم كل صحفي جوّال في بلدان الله الواسعة وأرض الناس الشاسعة ، ليكتب لنا ما يسلي الخاطر ويزيدنا دراية بالكون من حولنا .

الاثنين، 8 أكتوبر 2012

من وحي الثمانين


لا حدود للقراءة ، رغم أنني أدرس الإعلام ومولع به وفي العمل له ، لكنني اكتشفت مؤخراً ولعي الشديد بعلم الاجتماع منذ اكتشاف ابن خلدون للعمران البشري والاجتماع الإنساني ومنذ اكتشافي هذا الولع بهذا الفن مع كتب عالم الاجتماع العراقي علي الوردي صاحب الكتب الجريئة والآراء المثيرة في الوسط العراقي والعربي .
الوردي تأثر كثيراً بابن خلدون سيما فكرة الصراع بين البداوة والحضارة التي أسقطها على الوجود الاجتماعي العرافي في سبيل الكشف عن أدوائه ومعالجتها بجرأة وشفافية بالإضافة إلى ازدواجية الشخصية العراقية التي يتهمها الوردي بالتسبب في كثير من العقد النفسية والإشكالات الاجتماعية التي يئن منها الواقع العراقي .


هذا الكتاب لعلي الوردي خلاصة أفكاره وأطروحاته العلمية والثقافية التي جمعها رفيقه الصحفي سلام الشماع ، جمعت بطريقة شمولية ومختصرة لا تخلو من الحس الصحفي في سلاسته واختزاله ، إلى جانب نقده الاجتماعي للواقع العراقي وحدته مع طرح الوعاظ الذين أسهموا بطريقة ما في تشتيت الذهن العراقي وتغذية عيباته ، تناول الوردي أسطورة الأدب الرفيع الذي جاءت في كتاب مستقل عن إشكالات النحو والشعر والتاريخ الأدبي الذي ترسبت انحرافاته في الوعي العربي .

الوردي له أطروحات ناضجة ومدفوعة بجرأة عالية تسببت له في الكثير من الهجوم السياسي والاجتماعي والثقافي ولكنه بقي قوياً صلداً مؤمناً بأفكاره التي رآها حقاً ماثلاً ، وهو من نوادر الرموز العربية الثقافية التي لم ترحل قبل أن تؤسس لها حضوراً فريداً في المشهد العربي .

الخميس ٢٦ / ١٠ / ١٤٣٣

النقد الثقافي




سئلت مرة عن كاتبي المفضل ؟ وهذا سؤال كبير وعميق وليس بالبساطة التي تعتقدها ، لأن الكاتب المفضل بالنسبة للقارئ الجيد ليس ذلك الذي تسبقه شهرته أو تروّج له جدليته الطافحة حتى تغرق الموضوعية والجدة والثراء المعرفي في بحر لجيّ .
الكاتب المفضل بالنسبة للقارئ الجيد هو الذي يزلزل أركانك ويشلّ كيانك ليس لأنه يدبج لغة أدبية بلاغية متشعرنة ، تغذي بكتيريا الذكورة المستفحلة أو ترسخ نسقيتك العربية المرهقة وذهنيتك التقليدية الرتيبة ، الكاتب المفضل هو الذي يفجأك بالحقيقة التي كانت قريبة المنال منك لكنها محجوبة بكثافة التبسيط وأستار التعالي باسم النسق العاجي الرقيع .

مباشرة سردت عبد الله بن محمد الغذامي إلى جانب محمود عباس العقاد ومصطفى محمود رجل الشك والإيمان ، والحق أن هناك بقية باقية من الكتاب المفضلين الذي أفخر بذكرهم ضمن من يترك أثراً جيداً في الذهن والفكر والخاطر بمجرد إتمام واحد من مؤلفاتهم ، إنها مشبعة بالعاطفة الصادقة والمعرفة العميقة والجرأة الأدبية العالية ، ولذلك تساعدك كثيراً في بناء ذهنية متعالية عن الأنساق التقليدية التي تطمر الموهبة والفرادة والحق في التميز .

ولمن يريد قراءة مشروع الغذامي النقدي الثقافي لا يصح أن يهمل كتاب النقد الثقافي هذا الذي جاء كقراءة في الأنساق الثقافية العربية ، وهو العمود الفقري لمشروع الغذامي ، واضح في ارتياح الكاتب إلى هذا التصنيف ، وإلى التضمين الهادئ شبه اليقيني للأفكار فيه بعد مشوار من التحدي والضغط الثقافي والنفسي بعد كتاب الخطيئة والتكفير الذي سبب ضجة عالية .

الغذامي يريد أن يقول أن الواجب الموضوعي في مهمة النقد الثقافي يقتضي التوجه إلى الأنساق المضمرة التي تحرك الرغائب وتصنع العجائب ، لأن ذلك حريّ بالكشف عن الحقيقة وراء البواعث والغايات ، يساعد في التخلص من المضمونات المشوهة التي تكبل العرب في طريق نهضتهم وإحلال المعاني الحضارية والعصرية التي بيدها أن تتقدم بنا إلى الأمام وأن تساعدنا في النهضة والتنمية .

نظرتنا للأدب كأداة تعبير ثقافي راقي مشبعة بالتقديس والتقدير سيما الشعر ، وهذا يقلل من فعالية النقد والخلاص من سيطرة عيبات الشعرنة ، ولذا لزم التخفيف من هذه النظرة المبالغ فيها لأن الجمال شيء والأداة الموضوعية الحيادية شيء آخر .
تقاليد المؤسسة المفروضة في أدوات الإنتاج والنقد الثقافي تساعد على عيش الطفيليات الشائهة في كياننا الثقافي ، والخروج من قبضة المؤسسة التقليدية لازم لبث المعاني الحقيقة بالإنسان الجديد .



الإثنين ١ / ١١ / ١٤٣٣

السبت، 6 أكتوبر 2012

أعلام الفكر العربي





تعودت أن أسبق قراءة كل كتاب يقع بين يدي بالاطلاع سريعاً على صاحبه وتوجهاته وأهم مؤلفاته وآثاره في الفكر العربي بكل ألوانه واتجاهاته ، وأحياناً يحدث العكس إذ يلفت نظري سيرة ما أو شهر لكاتب معين فأتحرى الحصول على بعض أطروحاته وكتبه المنشورة .
شيء مهم أن توثق العلاقة بين المنتج كفكرة ثقافية ناجزة وبين صاحبها بأعماقه الاجتماعية والتعليمية والاتجاهات التي ينتصر لها ويدعو إليها ، ليس بغرض التأثير على رأيك في أطروحاته أو شخصنة القضايا التي يتناولها ، فإن الحق بيّن عند من يتحرى الاستفادة ، لا يؤثر فيه توجه الشخص أو رأيه الشخصي في مقدس ما .

الدكتور السيد ولد أباه ( كاتب وأستاذ جامعي موريتاني، له كتب ودراسات عديدة منشورة في ميادين الفلسفة المعاصرة وإشكالات التحول الديمقراطي ) وضع مدخلاً إلى خارطة الفكر العربي الراهنة وجمع الرموز .

انتهينا منه بتاريخالأربعاء ٣ / ١١ / ١٤٣٣ والكتاب رائع في أسلوبه وطريقته ، الأسلوب كان مباشراً غير متكلف ، والطريقة فذة بتعريف مبسط للمفكر ثم بأهم مؤلفاته التي سجلته في قيد المفكرين ، ثم تناول مشروعه الفكري بشكل مستوعب وشامل حتى لكأنك طفت على مؤلفاته حرفاً حرفاً .

ينفع هذا الكتاب السهل اليسير للعامة في الاطلاع السريع والمباشر لرموز الفكر العربي المعاصر وأهم توجهاتهم وخلاصة أطروحاتهم ، وللمتخصص في الإطلاع على التوجه العام وتحديد المعالم الفكرية للكاتب والنفاذ مباشرة إلى الأطر العامة التي تصنع فكره وطرحه .



عبد الله القصيمي .. التمرد على السلفية





يورغن فازلا كتب هذا المؤلف وترجمه محمود كبيبو وبتاريخ الجمعة ٥ / ١١ / ١٤٣٣ انتهيت من قراءته ، والواقع أنه بحث أكاديمي جيد وغربي يحمل سمات الدقة وتحري الصدق والموضوعية في تناول واحد من الشخصيات الجدلية التي اشتهرت في العالم العربي وشكلت فاصلاً حرجاً في الحالة الدينية .
جاء العنوان مميزاً عندما كان عبد الله القصيمي " تمرداً على السلفية " وليس على الإسلام أو الله ، تمرد على الإسلام في صورته السلفية ، تمرد على مقام الله الكريم في رأي السلفية العميقة الذي نشأ بها وعليها عبد الله القصيمي .
كثرت التفسيرات حول هذه الشخصية الجدلية فمن قائل أن هذا غرور وكبر وتعاظم شخصي بلغ به إلى الإلحاد ، وآخر أعاد ذلك إلى كثرة العلم المنتهي بالاضطراب وعدم حماية النفس من مجالسة أهل الشبهات والقراءة في كتبهم ومحاولة الاطلاع على أطروحاتهم بنية حسنة أو سيئة ، وآخرون يؤكدون أن التطرف في اتجاه ينكص بالإنسان مباشرة إلى الاتجاه الآخر .
على العموم الاستفادة من هذه الشذوذات في تغليب المواقف والانتصار للآراء الشخصية والحزبية ليس جديداً ، وهذا المؤلف قام بعمل توثيقي وتاريخي لحالة التقلبات الفكرية والتحولات العقلية التي أصابت القصيمي وما لازم ذلك من تجارب شخصية وحياة عامرة بالتحديات والتجارب الضاربة في اليأس والألم والقسوة .

طفولة ليست على ما يرام ، وشباب متقلب ولاهث وراء الاحتواء والارتواء ، وشيبة لم تحفظ بالتهديد والإبعاد ، فضلاً عن العصر الذي عاشه القصيمي المزدحم بالتقلبات الفكرية والسياسية والثورات المتفجرة والثروات المشتتة مما جعل حدوث انحرافات بهذا الشكل وارداً وبقوة .
الكتاب محاولة لتأريخ قصة رجل اشتهر بتمرده ، ولعل في الظل عشرات الأشباه وأضعاف النظائر ولكن لم تحظى بهذه الشهرة الذائعة ، وهو إضافة في محاولات فهم هذه الشخصية الجدلية التي تحولت إلى ظاهرة تستخدم للكشف عن مناطق القوة والضعف ، عن مواطن الخطأ والصواب ، وعن تبين الطريق نحو الانسجام والتوافق النفسي والفكري والاجتماعي في أمة ما زالت تبحث عن المخرج ، وقد وظفت في سبيل ذلك أقصى التدين وأقصى الجحود ، ولم تزل تبحث في تيه سينائي لم تتبين خيوط انقشاعه بعد .


عمائم سود بقصر آل سعود






عمل لذيذ وماتع أن تقرأ عن بلادك ووطنك بقلم أحد جيرانك ، نفس الأماكن والطرقات والمدن التي ترتادها يومياً ولا ترى فيها سوى ما اعتدته وعرفته منذ نعومة أظفارك حتى لا ترى فيها ما يثير انتباهك أو يلفت نظرك ، ثم تقرأ عنها في صحائف زائر جديد ومذكرات وافد حديث فترى الفرق ، تشعر بالانتماء العجيب إلى هذه الزوايا ، تشعر أنك جزء منها انطبعت بهويتك الفريدة وصورتك المميزة .

الكتاب عبارة عن انطباعات شخصية عن نجد والحجاز كتبها العراقي رشيد الخيّون في زيارة أولى للبلاد السعودية ، تنقل فيها بين الرياض وضواحيها الواسعة وانتقل إلى مكة لأداء العمرة ثم جدة العريقة والمدينة المنورة ، كتب عن الحراك الثقافي وعن الآثار التي اختبئت خجلاً لفترات طويلة بفعل الموقف الديني ، عن التقارب السني الشيعي الذي يرفع عن ساقيه بين حين وآخر .

لا أعرف ما سر المتعة في هذا الكتاب ، هل هو الشعور بالفخار والانتماء لرجل يتحدث باحترام وتقدير إلى وطنك وتاريخك وأرضك ، أم رشاقة قلم رشيد الخيّون الذي أقرأ له لأول مرة بداعي العناوين التي يطرز بها مؤلفاته التي تثير الانتباه والرغبة في التهامها ، لا شك أن العاملين يشتركان في هذا الغياب الماتع في حروف هذا الكتاب .

تركي السديري ومشاري الذايدي وتركي الدخيل ومرزوق بن تنباك والشيوعي منصور وعمر الحضرمي الذي رافقه كثيراً في أرض الحجاز ، معرض الكتاب والجنادرية والأندية الثقافية في السعودية وجدة القديمة والقصر السعودي والصالونات الثقافية ، وكثير من الأشياء التي جاء ذكرها في هذ الكتاب الذي تردد الخيّون في كتابته وخيراً فعل عندما لم يستجب لنداء التردد ليخرج لنا بهذا القطعة اللذيذة .

شاهد عيان - ذكريات الحياة في عراق صدام حسين





أنا أكره صدام حسين إلى درجة الكفر بأسطورته ، إلى درجة التنكر لهذا الظل الفارع الذي ارتسم في أذهان أمتنا العربية ، أمة لا أعرف ماذا أصاب ذاكرتها بالخدر حتى نسيت أفعال هذا الطاغية في حق شعبه سنته وشيعته وأكراده ومسيحييه ؟ ماذا أصاب ذهنها من إعياء لدرجة انغمست صنائع هذا الظالم في حق إخواننا الكويتيين في بحر حسناته المظنونة ومراجله المثقوبة .

" جمان كبّة " هذه العراقية المكلومة أرادت قبل إسقاط نظام صدام حسين الورقي أن تخبر العالم عن أفعاله الشنيعة وصنائعه الفظيعة ، كتبت قصتها الشخصية وعائلتها في ظل نظام البعث الشرس الذي ابتلع العراق بتاريخه المديد وشعبه السعيد وأحلامه العامرة وأفراحه الغامره ، هكذا بمجرد اعتلاء منصب الرئيس بطريقة رخيصة التهم صدام كل ملامح العراق وأعمل فيها حتى شاهت .

لم يكن لصدام أن يكون رجل العروبة الأول لولا الاحتلال الأمريكي الظالم في حق أرضنا البغدادية وشعبنا العراقي الأبيّ ، لم تكن لملامحه أن ترتسم في وجه القمر أيام ذبحه لولا وصول طغمة طائفية فاسدة إلى سدة حكم هذا البلد العظيم بعد إزالة جثمان صدام المريض .
أشياء أخرى جعلت من صدام ملهم الرجولة ، وبطل الأذهان العربية المرهقة ، هو فراغ الساحة الإقليمية والعربية من مشروع عربي مسلم يستوعب هذا الحماس الشعبوي ويناضل من أجل أهدافنا القومية ويسهر على أوجاعنا بالتطبيب ولو بالتطبيل ، ولذا نفخنا في روح هيكل متهالك واستعدنا البطل الوهمي في شخص صدام على عيباته القاتلة وفعلاته الفاضحة .

كتاب " شاهد عيان " يعيد إلى الحقيقة موقعها من الأذهان العربية ، وهو يعالجنا من هذا الهوس بشخصية صدام التي لا نعرف عنها سوى أنه وقف في وجه العجرفة الأمريكية والإيرانية قبل ذلك ، والحقيقة أنه لم يقف في وجهها بل اختبأ في نفق مظلم ومزري ومهين .
الكتاب يحوي قصة أسرة كبة وسجن عائلها وابنها والتضييق عليهم وقصص غير متخيلة لا يقوم بها صبيان الحي والمتبطلين من فتوات الشوارع ، ولكن الدولة التي تصاب باختلال الثقة وتعيش بهاجس بوليسي وتفرط في المصلحة الوطنية لأجل نهمة الحزب الأوحد وتؤمن بالرجل المتفرد في مقابل الشعب الذي لا مانع من انحداره إلى أسفل السافلين تفعل ذلك وأكثر .


يوم الجمعة ١٢ / ١١ / ١٤٣٣ طويت الصفحة الأخيرة مع الكتاب وأنا أزيد يقيناً أن صدام " واحد " من أسباب ما يحدث في العراق هذه الأيام .

ساحات 2011





طبيب الأطفال حمود أبو طالب الذي يكتب يومياً لعكاظ السعودية ، يرصف مقالاته التي كتبها تباعاً في الصحيفة بالتزامن مع حالة الثورات المفاجئة ، هذه الساحات التي تحولت إلى حمم تقذف من باطن الظلم حمماً محملة بسنوات جحيم مكتظة بآلاف القصص المؤلمة لشعوب مطحونة جثم على صدرها طغيان الحكام حتى ما عادت تتنفس إلا هواءاً مسموماً بالخوف وتبصر مستقبلاً يخنقه الرجل البوليسي بقبضة من جوع ووجع .

الكاتب الصحفي يشبه غيره في الصحف السعودية لا تجد سوى السرد المقالاتي الممل ، وإن كان اتسم ببعض الحرية التي فرضتها الثورات العربية ، حربة لم تصنعها إرادة ما ولكنها كانت بمثابة صرخة تضيع في صخب الثورات لا يصل صداها إلى مسمع مخلوق ولذا لا خوف منها ، في الواقع هي حروف باردة مطبوعة بحبر فاخر على ورق معاد التصنيع لا نفس فيها ولا روح .

الكتاب عبر مقالاته التي تصل إلى أكثر من خمسين - تخميناً - تتناول بعض المواقف والأحداث التي عرضت في بلدان الربيع العربي ، بتاريخالسبت ١٣ / ١١ / ١٤٣٣ أنتهيت منه ، وقراءة هذا الكتاب في هذا الوقت المتأخر الذي أنجزت فيه العملية الانتقالية مراحل متقدمة في مصر وليبيا واليمن وتونس لا يفيد كثيراً ، إلا من بعض المبادئ العامة التي نتفق فيها مع الكاتب حول الحقوق المسلوبة والطغيان المتفشي والتجاهل التام لعوامل التنمية والتعليم والصحة والكرامة ودواليك من المطالب التي رفعتها الشعوب في وجه جلاديها .



السبت، 8 سبتمبر 2012

المئوية الأولى




















نحتفل في هذه الصفحة بإتمام استعراض مئة كتاب ، عنواناً ومؤلفاً وموضوعاً ، تنوعت بين الشرعي والفكري والأدبي والسياسي .

إن مناقشة أفكار الكتاب الذي تتمه قراءة وتستوعبه فكراً وتحيط بكاتبه تاريخاً ، هي عبارة عن ترسيخ للأفكار التي تستحق البقاء ، وتفعيل لدور القارئ فيتحول إلى شريك في المشروع المعرفي .
كما أن مثل هذه المبادرات تساعد في نشر الوعي بأهمية القراءة الفردية والجهد الذاتي في التزود المعرفي والتأصيل الفكري .
كما أنه تأريخ لمسيرة القارئ في النهل من مصدر العلم الأول ومجالسته لخير جليس في الزمان ، وهو بمثابة مؤشر لمستوى أفكارة عمقاً وبسطاً خلال سنوات عمره ومسيرته العلمية .
بعيداً عن سؤال المدح وطلب المحمدة ، أرجو أن تسجل رأيك وتدعمنا بنقدك اللاذع إن شئت ، ولا تنسى دورك في نشر عادة القراءة في أوساط شباب المسلمين سيما ونحن في مرحلة حرجة تمر بها الأمة وخير سلاح للدفاع والهجوم في آن هو العلم وليس من سبيل خير من القراءة .


عمر علي البدوي
صباح السبت ٢١ / ١٠ / ١٤٣٣
جدة - السعودية

الأحد، 29 يوليو 2012

حرية الفكر وأبطالها في التاريخ




" التسامح ضرورة حضارية " هكذا كتبت في حسابي على تويتر بعد دقائق من إنهاء هذا الكتاب المميز بقلم الصحفي المصري سلامة موسى ، رغم شائبة قلة الاحترام للإسلام التي بدت من باب النصفة والموضوعية التي أرادها الكاتب أو بعض أثر الداروينية التي خالطت عقله وفهمه بعد مغادرة أوروبا إلى مصر وكتب في ذلك كتاباً أنتظر فرصة لقرائته .
بعيداً عن هذه الضجة وعلى امتداد قرابة مئتي صفحة من هذا الكتاب الذي أغرقه موسى في ذكر رجالات التحرر الفكري في العالم سيما من الرموز الغربية التي قضت حرقاً أو نصرت حقاً ، شعرت بضرورة التسامح الذي فاض ذكره بين جوانب السير الذاتية المقتضبة لمن نافح ودافع عن حق الإنسان في اختيار رأيه الديني والاجتماعي والفكري وشنع على كل السلاطين التي طغت وعمت ببلائها على الهيئات الاجتماعية والأمم البشرية .
ما كان للغرب أن يبلغ هذا المستوى من الحضارة ولا استطاع تحقيق النهوض الفكري والصناعي والاجتماعي لولا إصراره على التسامح بعد تجارب دامية وملاحم زهقت فيها الأرواح وعم الفساد في البر والبحر بما فعلت يد التعصب والتطرف .
( وكانت نتيجة هذا الخراب العظيم الذي نال أوربا أن الناس عرفوا قيمة التسامح لا حباً فيه ، بل خوفاً من عواقب التعصب ) ص ١٦٣ .
رأيت شبهاً كثيراً بين بعض ملامح وقسمات العصور الوسطى التي أظلمت فيها أوروبا وكانت قنطرة الخروج إلى زمن النهضة والحرية والقوة لهم ، وبين حالنا كأمة مسلمة وعربية اليوم .
نفس التشنج بين المحافظين والإصلاحيين ، بعض المشاهد القريبة من تفتيش النوايا واتهام الخبايا ، شيء من توافر شروط النهضة واستبصار الطريق تنتظر عزيمة سياسية والتحاماً اجتماعياً ، وبعض من لأواء التنافس الدامي بين الأطراف على تقديم حلولهم الخاصة والانتصار لرأيهم ورؤيتهم .
ولا أشك - على الأقل الآن - أن نهضتنا ستقوم على بعض مقومات الغرب من تحرر فكري واستقلال فردي ونصفة حقوقية واحترام متبادل وحكم شوري ديمقراطي ، ناهيك عن بعض المعاني المستبطنة التي تقوم عليها فلسفة النهضة من دين رشيد وضمان كرامة الإنسان وحفظ حقوق الأقليات والمستضعفين والانتصار لقيم العدالة والحرية والمساواة والاحتفاء بقيم الخير والحق والجمال .
بتاريخ ٩ / ٩ / ١٤٣٣ أتممت قراءة هذا الكتاب وقد حرمت نفسي خوض تحدي الكرة مع صديقي وائل إدريس الصحبي رغم وعدي له بذلك ، ولكن " جلالة الملك فولتير " كان أحب إليّ من مباراة وائل وأدعى لنكث العهد .

المحافظون والإصلاحيون في الحالة الإسلامية السعودية




هذا التوتر الذي يعصف بالحالة السعودية يخرج أحياناً من مستواه الصحي إلى مرحلة مرضية ومستوى مسف أو موغل في المبالغة والضجيج ، ولكن لعل هذا مخاض يتولد منه ( فكر إصلاحي ) تنجبه إزعاجات الاستقطابات الطرفية وضرورة المرحلة وحاجة الزمن القادم .
فكر إصلاحي يتداوى من هواجس المحافظين ويعالج تكهناتهم القاتلة كما وأنه يكبح جماح الطموح الليبرالي الذي يدفع بالمجتمع السعودي إلى تنكب خصوصيته ومسخ جوهره وخسارة جهود التوحيد التي بدأت ترسخ جغرافية ومخيالاً .
فكر إصلاحي : شمولي - معتدل - متعافي - واقعي - أصيل - متحضر - وسطي - وكل المعاني المبهرة والقيم الفذّة التي يناط بها قوام الحضارة وأسس التقدم وشؤون التنمية اللازمة لكل مجتمع ودولة متحفزة لمستقبلها المشرق .
نواف القديمي الذي عرفته مسبقاً في ( أشواق الحرية ) وهو عبارة عن أفكار عميقة ومقاربات ذكية ونابهة للهوية السلفية والطموح الديموقراطي ، ثم في زحام الصخب الثقافي والفكري الذي يشارك فيها الهام والعام ، وليس آخرها ضجة ملتقى النهضة الذي يشارك في صناعته ناهيك عن منازلات عالم تويتر الذي يبدو أن طيره الأزرق يكاد يشرق بسجالات السعوديين المزعجين في كثير من الأحيان .
في يوم ٩ / ٩ / ١٤٣٣ أنهيت هذا الكتاب الجميل والمميز وهو مزيج من التجربة الشخصية والأفكار العامة التي يطرحها القديمي بلغته السهلة العذبة التي تزداد ألقاً كل مرة وكرة .


قال لي القصيبي




هذا الزمن الذي تمر به الأمة العربية والمسلمة اليوم حاسم وصعب ، والبلاد السعودية جزء من هذه الأمة تشبهها في أوجاعها وطموحاتها .
وهذا الزمن نفسه في حاجة إلى رجال من أمثال الراحل غازي بن عبد الرحمن القصيبي الذي كسفت برحيله شمس النزاهة والعدالة والكفاءة والإنجاز .
رجل نادر لا يولد مرتين ، وليس حمل يشبهه في القابلين والسالفين ، ولا أعرف لماذا أتذكر بعض أسماء من استوزر لخلفاء المسلمين ممن برع في الإدارة والأدب فجمع حزم الوزارة ولين الثقافة .

تركي الدخيل الإعلامي الذي يعجبني كثيراً بحكم تخصصي في دراسة وتعشق هذا المجال ، هذا الدخيل لم يجعل له فضيلة الكتابة عن هذا الرمز السعودي لوحده بل اقتبس أبرز ما كتبه مرافقيه ومريديه وأشقائه وأصدقائه التي اقتبسها فيما يبدو من مقالات دونت في لحظة وفاته .

قراءة القراءة



ليس الكتاب الوحيد الذي قرأته حول فن القراءة وتصحيح عاداتها وتوضيح مآلاتها وتقريب أفضل طرائقها ، وليس في الكتاب جديد يذكر أو يزيد على غيره من الكتب المطنوزة بوصايا السرعة والتدوين والتركيز والنقاش وإحسان الاختيار وظروف القراءة الرشيدة ومناطات تحقيق النتائج الحميدة .
غير أن الأستاذ فهد الحمود كاتب هذه الورقات أحسن كثيراً في التبويب ووسمه بفواصل مضيئة ومواقف وضيئة من بعض تاريخنا الإسلامي الذي احتفى كثيراً واحتفل بهذه الممارسة الإنسانية النبيلة كمطلب لبناء الإنسان والأمة واستبقاء تاريخ مشرف يكون فخراً عند الفترة وسنداً عن النهضة .

شخصيات لها تاريخ



محمد عمارة كتب هذا الكتاب وجمع الشخصيات التي اعتقد أن لها تاريخاً استحق أن يذكر ، لا يوجد في الكتاب نزر ممن اشتهروا في التاريخ الإسلامي أمثال ابن تيمية والعز بن عبد السلام والحسن البصري والجويني سيما وهم أرباب وأصحاب المذهب الأعم من أهل السنة والجماعة .
عمارة وكعادته في تجاوزه للخلافات المتشنجة تجاه بعض الفرق الكلامية والمذاهب السياسية التي اعتبرت في رأي السلفيين خارجة عن دائرة السنة والجماعة ، اختار بعض رجالات الفكر الديني وتضحياتهم وسيرة حياتهم العلمية والحياتية مثل الجهم بن صفوان وعمرو بن عبيد ونافع بن الأزرق والجعد بن درهم ودواليك .
بالنسبة لي وأترابي ممن تشرب مذهباً إسلامياً سنياً سلفياً حنبلياً وهابياً ، بكل هذه التتابعات الفكرية والمدرسية غريب على سمعه رجالات وأعيان الثورات العلوية والحسينية ممن انتفضوا ضد مظالم الخلافات الإسلامية وانتصروا لحق آل البيت في الإمامة دون تهاون في التزود العلمي والمتانة الشرعية .
وإذا لم يكن للواحد منا ثمة قراءات خارج إطار المنهج المدرسي وإلا سيبقى الجهل بأمثال هؤلاء حاضراً ومستديماً .
محمد بن الحنفية وزيد بن علي والنفس الزكية ويحيى بن الحسين والشريف الرضي ، ممن برع في الفقه والسنن والأدب وامتشق سلاح الثورة وانتفض لما رآه حقاً في جناب عترة المصطفى رغم بعض التجاوزات الشرعية التي انتهى إليها أنصارهم وأتباعهم - حسب قناعتي على الأقل - .
وهكذا يعج تاريخنا بالأسماء الضخمة والمآثر الفخمة ، ثم لا أرى معنى لمن يسخر بنا لأننا نفخر بديننا هذا وتاريخه التليد .

الأربعاء، 25 يوليو 2012

فن الحب والحياة































أتذكر من سلامة موسى دعوته الفجة باستعمال العامية في الصحف والكتب والمدارس والمكاتبات الإدارية ، وهو مصري مسيحي عاش في فترة ناهضة مرت بأم الدنيا " مصر " وحفلت بكثرة من الأدباء والعظماء والفكهاء .
ولأنني وللمرة الأولى أقرأ لسلامة موسى الصحفي المصري الشهير ، فإنني أقرأ له بالتذاذ كبير ذلك لأنني أتنسم هواء تلك الحقبة المصرية الثرية يكب حمولاتها الفكرية وحركتها الموارة ونبعها المتدفق بالمعرفة والعلم والبيان .
وعجيب هذا الكتاب في أفكاره الذي عبرت بحق عن فن الحب والحياة ، ستطالع ما يشبه الوصايا والحكايا والأفكار والأنوار التي تساعد في ترغيد العيش وتجويد الحياة وبث الطمأنينة والاستقرار في النفوس والبيوت والمجتمعات .
سلامة موسى يتكشف في هذا الكتاب عن خبير اجتماعي متعمق ، وإحساس فنان مرهف ، وقلم أديب متمكن ، كما أنه يكشف عن إمكانات تلك الحقبة الزمنية في فن الحب والحياة كأعمق معاني الإنسان وأعظم مطلوباته ومحبوباته .
الكتاب ممتع ورائع ولا يمل ، حتى لتمنيت أنه لم ينتهي عند مجرد صفحاته المحكومة وورقاته المرسومة .

الإرهاب































مؤلم ما حصل لكاتب هذا المؤلف ، الكاتب المصري فرج فودة الذي اغتيل بيد رجل أمي لا يحسن القراءة والكتابة وأطلق رصاصته منتقماً للشريعة السمحة من كتاباته الجريئة واتهاماته الوضيعة .
في هذا الكتاب الذي كتب بلغة صحفية بسيطة تقتات على الأحداث السياسية والجنائية العامة في الشارع المصري في أثناء موجة الإرهاب التي هاجت به وماجت حتى كادت تهلك الحرث والنسل .
فرج فودة الذي أقرأ له للمرة الأولى في هذا الكتاب يملك قدرة مميزة على ربط الأفكار ببعضها وتسلسلها بطريقة عقلانية وموضوعية ، كما أنه يحلل بواعث هذا الداء الرايدكالي العضال ويدرس
ظروفه وحيثياته بمستوى قليل من الدقة والأدوات الأكاديمية .
جرأة عجيبة تدعمها قناعة بأفكاره تشبه رسوخ إيمان العجائز يكتلكها فرج فودة ربما كانت السبب وراء جناية قتله ، إذ ربما بث هذه الأفكار الصادمة في زمن كان الوعي الجمعي لا يقوى على استيعابها والاقتناع بها ، وأثار فيه رجة وضجة كان من أثرها مقتله الحزين .
لم أعلق كثيراً على أفكار الكتاب التي تعتبر عادية وقديمة بالنسبة إلى جيلي الذي عاش موجة الإرهاب في نسخته السعودية ووقف على ما يكفي من التحليل والكشف والتجلية الكافية لهذه الظاهرة السلبية والذي تجاوزناها بسلام ومع قليل من الآثام .

هكذا علمتني الحياة



جلال أمين رجل اقتصادي ويحمل الدكتوراه في هذا التخصص الهام في بناء الأمة والممجموج في ذوق المتخففين ، ولكنه كاتب مميز سيما في سرد الملامح الاجتماعية في طريقة تشبه الحكواتية العفوية حتى لا تكاد تشعر بتعداد الصفحة أو الإبعاد في السطور .
لعله والده أحمد أمين المعروف في تاريخه كمؤلف وكاتب أكسبه هذهىالمهارة الأدبية الراقية الذي اكتشفها صاحبه مؤخراً عندما رأى قدرته على الإنشاء في أمر الامة والانعتاق من التحبير في فنه المخصوص وطرفه المقصوص .
هنا سيرة ذاتية لهذا الرجل الفذ ، ولن تشعر برتابة الحديث عن تفاصيله الشخصية لشدة تماسها بين الأحداث العامة التي عصفت بالعالم العربي وقلبه النابض " مصر " ، وإنك لتتنقل بين الشارع المصري والعربي العام وأروقة منزله الخاص وتنتقل بالطائرة والمركبة الصغيرة في كاليفورنيا والقاهرة والكويت والجامعة الأمريكية والصندوق الكويتي للتنمية ومع أساتذته المشرفين على رسالاته العلمية .
معجب أنا كثيراً بجلال أمين هذا ، وأنا أعد نفسي بلذة القراءة في " رحيق العمر " الذي اقتنيته قبل دقائق وأنوي أن أعيش معه ليلة رمضانية جميلة من هذا العام البهيج ١٤٣٣ .

قاسم أمين " تحرير المرأة والتمدن الإسلامي "


سمعت مرة في برنامج إضاءات المحامي السعودي محمد الحميد يقول عن قاسم أمين أنه ظلم من قارئيه كثيراً ، مجموعة الكسالى الذين اكتفوا بطالع السمعة السيئة لهذا الرجل الإصلاحي دون الدراية الكافية بنتاجه وأطروحاته .
محمد عمارة جعل قاسم أمين رائداً من رواد المدرسة الإصلاحية التي تجمع محمد عبده والأفغاني ورشيد رضا ودواليك من معالم المشروع النهضوي الحضاري الحديث .
كتاب " المصريون " لقاسم أمين الذي كتبه ابتداءاً سمعت به للمرة الأولى عبر هذا المؤلف ويبدو أنه انطمر في عمق الضجيج الصاخب عن قاسم أمين ، كتاب المصريون الذي يحمل فكراً مختلفاً عن ما عرف عن أمين إذ اختلف خطابه فقط عندما استرعى سمع الداخل .
ما بلغ قناعتي منذ فترة يسيرة أن قاسم أمين رائد إصلاحي شذ في بعض آراءه بما يسيء إلى الموروث الشرعي وهو خطيئة مغفورة ، أما ما كان من آراءه سيفاً مصلتاً على التقليد الاجتماعي فهو شجاعة مشكورة وخطوة مبرورة .



القرآن كائن حي



لم يكن مصطفى محمود في هذا الكتاب القصير إلا كعادته من العبقرية في صياغة الفكرة المقصودة في العبارة المرصودة والجملة المنضودة والحكمة المعقودة ، مجموعة مقالات لها مناسباتها الوقتية المتفرقة غير أن فقيه العلم والإيمان يكتبها وهو يحلق في فضاء الأفكار العظيمة التي لا تكوت بتقادم الزمن ولا بتعاقب السنون .
اختار عنوان المقالة الأولى للمؤلف بعمومه ثم انتثرت عناوين شتى وفروع تترى في معاني متباينة وحدود متلاينة .
والكتاب بمقالاته القليلة وحكمه الجليلة لا يكف يواصل مسيرة مصطفى محمود لحل لغز الحياة عبر صورة من الموجودات ( النفس والروح ، الظاهر والباطن ، الصوفي والبحر ، المخير والمسير ) يرتحل بالأفكار والأذهان والتصورات والمعتقدات لتقريب الفهم واستجلاء الحقائق .
( من أنت ؟ ، لماذا خلقنا الله ؟ ) هكذا تهزك الأسئلة العميقة كعناوين لبعض مقالات الكتاب ولن تقف رعشة القلب ولا شخوص البصر وهو يتتبع التفاصيل المحمّلة بالثراء والمتانة المعرفية والحسية .
اشعر بحيوية الكون والإنسان والقرآن في مثل هذا الكتاب .

أسطورة الأدب الرفيع



علي الوردي عجيب وغريب ، فأما عجيب فهو لعمق أفكاره وعذوبة أغواره شجاع إلى درجة يبث فيها آراءه دون هوادة وينظمها عقداً ناصع الدر والقلادة ، وأما غريب فهو كذلك لشدة بأسه وندرة جرسه فيما يطرح من آراء دون الشذوذ وفوق العادية .
وهنا يتعرض لواحد من أكثر مواهب العرب وأكثرها بروزاً ووضوحاً حتى اختار الله أن تكون معجزة النبي العربي فيما اشتهروا بإجادته وذاعوا بالنبوغ فيه ، اللغة العربية والصياغة الأدبية والبلاغة النثرية والفرادة الشعرية .
الوردي يقسو على التاريخ الأدبي العربي سيما في شعر الشعراء ومطارحات البلغاء ، ويتهمه بالمصلحية والشذوذ الجنسي ومداهنة السلاطين ناهيك عن عيب العربية في الانصراف عن الإيجاز والموضوعية والاتكاء على المبالغة وتعقيد الصياغة وتعجيز الحياكة .
الكتاب عبارة عن مطارحات في مقالات بين الوردي ومجموعة من المختصين في الشعر العربي تاريخاً وفناً وأداة ، بثت في الصحف العراقية آنذاك وجمعت في هذا المؤلف الشيق الذي تلمح فيه علاقة الشعر والأدب العربي بعمومه بعلم الاجتماع الإنساني الذي يعدّ ميدان الوردي الأساس وهو منه ناصية الرأس .

السبت، 30 يونيو 2012

تجديد الفكر العربي





زكي نجيب محمود واحد من أعلام الفكر العربي المعاصر ، واحد من نجباء أم الدنيا مصر ، انغمس في الثقافة الأوروبية حتى أدرك غوامض لوامع علمها وفنها ثم ارتد إلى عروبيته ثقافة وفكراً وحضارة وتاريخ ثم تشربها باستيفاء كافي .
وكتابه واحد من أهم مدخرات المكتبة العربية والفكرية ، يتناول أهم قضايا الفكر المعاصر التي لم تهدأ بعد ، قضية التراث والحداثة التي اشتغل عليها رواد المفكرين والمعنيين بالشأن الثقافي والفكري .
زكي نجيب بعد عرض تجربته مع الثقافة الغربية حتى اعتقد أنها خلاصة النتاج البشري وغايته ، يحاول بمقارباته العميقة أن يشق الطريق إلى إنتاج فكر عربي جديد يمزج الأصالة بالمعاصرة بعد استيقانه أن ذلك السبيل الأصوب لحل معضلة التداخل بين الذوبان والانكفاء .
تحدث عن اللغة كوسيلة هامة في الطريق إلى تجديد الفكر العربي ، إذ تعتبر اللغة بألفاظها وتركيباتها مراكب السفر إلى حيث شواطئ الحلم العربي بالنهوض والتميز ، ولن ينتفع بها العرب دون ترميم وتصميم .
ثم تحدث عن اقتراح بناء فكري عبقري يجمع الثنائية الذكية التي يتميز بها العقل العربي بين طرفي الأمور لتستقيم الكفة وتعتدل الحياة .
وبعث نجيب محمود بعض قيمنا التراثية الباقية أو بالأحرى مما يحتاج إلى إجلاء وإعادة تنوير وتثوير ، لما لها من دور رصين ومكان قمين بها لتدفع بعجلة التجديد وصناعة التحديث والترقي المطلوب في سبيل نهوض الفكر العربي .

الكتاب ثمين وفاخر ومميز ، يكتبه واحد من أعلام الفكر العربي الحديث بلغة أدبية رفيعة وقدرة موضوعية متزنة إنما تنم عن قدرة خلّاقة ونفس مستقرة مؤمنة بقدرتها وقدرة أمتها التاريخية والراهنة لصناعة مستقبل جدير بها .

تحولات الإسلاميين




" من لهيب سبتمبر إلى ربيع الثورات "

وليد بن عبد الله الهويريني كتب صفحات هذا الكتاب الذي جاء ضمن إصدارات مركز البحوث والدراسات التابع لمجلة البيان ذات الخط السلفي المعروف .
الكتاب جاء كما فهمت كمحاولة لإعلان توجه جديد يقف في منطقة تقابل جموع الإصلاحيين الذي أنجبتهم فترة ما بعد سبتمر ، ممن وجه سهام نقده وأعمل معاول التفكيك والتجريد لبنى الفكر السلفي الذي اتهم بإنتاج أزمة الإرهاب الإسلامي .

في رأيي المتواضع أن الكاتب لم يملك القدرة الكافية لتفنيد حجج التيار الإصلاحي - كاسم دارج - ولا بيان سلبياته وتأكيد بعض صوابات الفكر السلفي ، إذ هو خريج لغة تقليدية وعقلية نقدية وحوارية تجاوزها الزمن بتركيباته الفكرية واللفظية الحديثة .
قد تكون بعض أفكاره تتسم بكثير من الموضوعية والصوابية ولكنها خسرت قيمتها تبعاً لاستخدام لغة عادية تقترب من السرد الصحفي ولا ترقى إلى مستوى النقد الفكري المتعمق بلغته السهلة الممتنعة مما نزل بمستوى الكتاب إلى درجة أقل .

لو كنت طيراً


كتاب رشيق وخفيف للعلامة سلمان بن فهد العودة ، ويبدو أن العودة يتنازل عن هذه الدرجة العلمية الشرعية استجابة لظروف هذا العصر ( السريع - المتخفف - المتمدن ) عبر واحدة من أيقوناته الحديثة " تويتر " .
الكتاب يجمع أغلب تغريدات فضيلة الشيخ عبر الموقع العالمي " تويتر " وفق تبويات موضوعية دينية واجتماعية وفلسفية وسياسية .
يتناول ظروف متبدلة ووقائع جديدة وآراء قديمة تجدد من نفسها وأخرى جديدة لا تستغني عن حضورها التاريخي ، وهو لم ينفك عن التحليق في سماء الربيع العربي الذي عصف بالعقول والعوالم الحقيقية والافتراضية .
التغريدات عباراة عن استجابات ثقافية لحظية لأحداث تدور من حولنا تقوم بتشكيل آرائنا وعقولنا ، وأحياناً نشارك في صناعتها عبر إثارة التفاعل العالمي والجماهيري لقبولها أو رفضها .
يبدو أن الشيخ العودة تفطن للقيمة الحقيقية وراء هذا العالم الافتراضي وأصبح يوظفه لمجابهة خناقات الرقيب في ظل لغته الشرعية والفكرية التي تغرد خارج السرب .

أسوار الصمت



" قراءة في حقوق الفرد المدنية في السعودية "

وليد بن محمد الماجد هو كاتب ورقات هذا المؤلف العظيم ، رغم قلة صفحاته ولكنه مستوعب وثري وجريء جداً .
هو كتاب ينتمي إلى مرحلة ثورات الربيع العربي ، وصاحبه ينتمي إلى طبقة شباب هذه المرحلة الحرجة على كل ما هو ماضوي وسلطوي ورجعي والمشرقة لكل ما ينتمي للمستقبل القادم بقوة متخففاً من حمولات الخيبات العربية الكثيرة .

المجزوم به أن " الحقوق " في بلاد مثل السعودية تعاني كثيراً لا من جهة درجة تطبيقها ولا من جهة العلم بها ، إذ يعاني جموع السعوديين من ضحالة الدراية الكافية بحقوقهم وتعاني على صعيد التطبيق الكثير من الضعف والتعقيد والبيروقراطية .
الماجد استطاع أن يصنع في قارئه " صدمة " لحجم الجرأة التي يتمتع بها الكتاب ، ناهيك عن اللغة القانونية المخففة مما يجعلها سائغة لدى القارئ العادي غير المتخصص .
الثورية تبدو على الكتاب منذ منطقة " الإهداء " ، بينما تبحر في أعماق الكتاب لتجد كماً هائلاً من معلومات المقارنة واستعراضاً مؤلماً للحال السعودية .

لو كان بيدي من الأمر شيء ، لأمرت كل مواطن سعودي أن يلم بهذا الكتاب عن ظهر قلب .

مشروع العمر



كاتب هذا المؤلف الرائع يسكن على بعد كيلوات قليلة عن منزلي ، إنه الشيخ مشعل بن عبد العزيز الفلاحي واحد من نجوم المشروع الدعوي الناضج الذي يضيء خيراً وبشراً ونوراً في سماء وادي حلي .
رجل مسكون بفكرة " مشروع العمر " في حديثه العابر ومحاضراته المتناثرة ورسائل جواله ومقالاته المتقاطرة علماً وحكمة .
حتى التصق بهذا المفهوم وكاد يزاحمه اسمه ورسمه .

وبالنسبة للمؤلف فهو جدير بالقراءة وحقيق بالاهتمام ، لغته تتفجر بالحماسة والرغبة المريدة للإيصال الفكرة  ، ومجموعة أفكار ورؤى ومشاريع تنتظم في عقد أدبي لائق .
لن تخرج من هذا الكتاب الذي سكب فيه الفلاحي جهد سنوات من التخمير والبحث والاستيقان لفكرة نبتت في رأسه ووجدت طريقها إلى كتاب متكامل ودسم ثري ، لن تخرج منه إلا وأنت عاقد العزم والنية على البحث عن ضالتك ومشروعك الذي سيحتوي حماسك وزهرة عمرك وحصيلة عقلك في بنائه الحصين .
اقرأ هذا الكتاب الثمين ، وابدأ مشروع العمر .

الثلاثاء، 29 مايو 2012

الشارع يا فخامة الرئيس



- في جذور وتداعيات الربيع العربي -

الإعلامي الدكتور سليمان الهتلان مؤلف هذا الكتاب الذي ينتظم مجموعة مقالات منذ عام 2002 حتى انقداح شرارة الثورات العربية العام 2011 م ، يعتبر من حزمة مثقفي ما بعد أحداث سبتمبر بكل حمولاتها الثقافية وتمايزاتها الفكرية المعلومة ، وإن كان جرعة الفزاعة الدينية لديه أقل .

وعندما عنون كتابه " بالشارع " الذي يقتطع هذه الأيام حصة الأسد من الحوارات والمقالات وأحاديث المجالس أعتبره من قبيل التوزيع التجاري ليس أكثر ، إذ لم يظفر بحصة يستحقها من هذا الكتاب إلا في المؤخرة منه .

المقالات كتبت بلغة صحفية خفيفة ، ترصد الحراك السياسي العربي وتضمّن رأي الكاتب ووجهة نظره من الموقف الراهن ، بالتواكب مع الأحداث الجسام والعظام طيلة عشر أعوام استغرقها الكتاب باختصار .

قل لي من أنا .. أقل لك من أنت



لأول مرة أقرأ لممثل السعودية في اليونسكو الدكتور الفاضل زياد الدريس ، وأعجبت كثيراً بثراء معلوماته وعذوبة قلمه وحضوره الوجداني المميز .
ولذلك لم أتثاقل في بعث تغريدة شخصية للكاتب المميز ، احتفالاً بإتمام كتابه الرائع ، ولقيت منه كل ترحاب وتقدير .

الكتاب مجموعة مقالات قد لا تتفق في مجموعها ولكنها تصب في سؤال الهوية المأزوم ، و تداخلات العولمة التي لم تعد إشكالاً على مستوى القطاعات البشرية أكثر من الاستفهامات التي تحاصر الفرد المنكمش في شاشته الإلكترونية أو الكونية بالأحرى .

لماذا ؟ كيف ؟ كم ؟ أين ؟ متى ؟

عناوين داخلية تنتظم تحتها حزمة مقالات تشبه هذه الأسئلة الوجودية العميقة .
قراءة هادئة للحالة العروبية والإسلامية ضمن إطارها الإنساني والكوني على اعتبار موقع الكاتب من منظمة ثقافية عالمية تنظر للشؤون الخاصة ضمن تمازجات عالمية متلونة .

شيء من السياسة المخففة ، والشؤون الثقافية والهموم الاجتماعية والإشكالات الوجودية والفلسفية تمتزج في لغة أدبية سلسة وراقية مع بضعة أفكار جديدة وتوافقية .

ستستلذ بالقراءة أكثر من الفائدة ، شيء ما يستتر في ورقات هذا الكتاب يجعلك تلتهمه بسرعة فائقة وربما تمنيت لو أنه لم ينتهي .

كخّة يا بابا


.. في نقد الظواهر الاجتماعية ..

الحق أننا نعاني كتلة مع الورم الاجتماعي المتقدم ، حزمة من المشاكل الاجتماعية الجاثمة ، وهذا أمر طبيعي في ظل حراك اجتماعي ووسط بشري يعمل ويتحرك ويعيش ، ولكن المجتمعات الصحية هي التي تشتغل على معالجة أخطائها وتتعافى من أدوائها ، وضيرنا أننا لسنا من هذه المجتمعات النابهة بل نراكم أخطاءنا ونزيد من أوجاعنا .

وعبد الله المغلوث الذي يدرس الإعلام في أوروبا يحمل هماً اجتماعياً صادقاً - نحسبه كذلك إن شاء الله - وهو من خيرة من يكتب في هذا الشأن الحساس إذ بقلمه الرشيق وروحه المتفائلة الإيجابية وتجربته الاجتماعية الناجحة يساعد كل ذلك على تقديم رؤية علاجية ونقد اجتماعي جيد بالإضافة إلى احتكاكه بمجتمعات تتعافى وتنشد الكمال في كل شيء .

اختار المغلوث " كخة يا بابا " عنواناً لمؤلفه الناقد ، وهي عبارة اجتماعية دارجة ، كم قتلت من نفس متطلعة ، وكم قمعت روحاً متشوفة ، كم أسكتت إبداعاً رائعاً وكم أسكنت موهبة نشطة .

اقرأ وتعافى من ظواهرك الاجتماعية السلبية ، وأحلّ بدلاً عنها عاداتك الجديدة المتميزة .

سلمان العودة من السجن إلى التنوير





لا أعرف عن من أتحدث ؟ عن الشيخ سلمان بن فهد العودة موضوع هذا الكتاب وعنوانه الذي كاد يأخذ لبي من سحر كلماته وعمق أفكاره وقوة طرحه ، أم عن كاتبه الإعلامي القدير تركي بن عبد الله الدخيل الذي أصبح مدرسة إعلامية متماسكة للإعلامي السعودي الصاعد .

أما إن تحدثت عن الكتاب ومضمونه فليس إلا جمع وتوثيق لشتات معلومات لا تخفى عن المطلع على تاريخ الشيخ وتحولاته ونتاجه الراهن ، قسّم الدخيل دراسته الأكاديمية هذه إلى ثلاث : تاريخ موجز عن الشيخ ونشأته الاجتماعية والعلمية ، ثم تحليل موضوعي لمضمون مرحلتين من خطاب العودة في تشدده وانفتاحه المستنير وما بينهما إبان سجنه السياسي .
والثالث والأخير قراءة في تجربة برنامج التلفزيوني الشهير " حجر الزاوية " في موضوعاته وحضوره الجماهيري والأثر الاجتماعي وثمة مقارنات عابرة مع بعض البرامج الإسلامية التلفزيونية .

الكتاب جيد إلى حد بعيد ، وهو دراسة أكاديمية جافة تهم المتخصص في الإعلام ولا يعدم القارئ العام الاستفادة منها سيما من يهتم بتفاصيل الشيخ العودة وظاهرة الدعاة الجدد التي أعتقد أن العودة لا ينتمي إليها في شيء إذ أعتبره - شخصياً - ظاهرة لوحده .
كنت أتمنى لو وجدت قراءة وجدانية وفلسفية متعمقة في حقيقة التحول وصناعة خطاب العودة الراهن والانسياح الاجتماعي الملفت باتجاه لغته العذبة السلسة .