أنا أكره صدام حسين إلى درجة الكفر بأسطورته ، إلى درجة التنكر لهذا الظل الفارع الذي ارتسم في أذهان أمتنا العربية ، أمة لا أعرف ماذا أصاب ذاكرتها بالخدر حتى نسيت أفعال هذا الطاغية في حق شعبه سنته وشيعته وأكراده ومسيحييه ؟ ماذا أصاب ذهنها من إعياء لدرجة انغمست صنائع هذا الظالم في حق إخواننا الكويتيين في بحر حسناته المظنونة ومراجله المثقوبة .
" جمان كبّة " هذه العراقية المكلومة أرادت قبل إسقاط نظام صدام حسين الورقي أن تخبر العالم عن أفعاله الشنيعة وصنائعه الفظيعة ، كتبت قصتها الشخصية وعائلتها في ظل نظام البعث الشرس الذي ابتلع العراق بتاريخه المديد وشعبه السعيد وأحلامه العامرة وأفراحه الغامره ، هكذا بمجرد اعتلاء منصب الرئيس بطريقة رخيصة التهم صدام كل ملامح العراق وأعمل فيها حتى شاهت .
لم يكن لصدام أن يكون رجل العروبة الأول لولا الاحتلال الأمريكي الظالم في حق أرضنا البغدادية وشعبنا العراقي الأبيّ ، لم تكن لملامحه أن ترتسم في وجه القمر أيام ذبحه لولا وصول طغمة طائفية فاسدة إلى سدة حكم هذا البلد العظيم بعد إزالة جثمان صدام المريض .
أشياء أخرى جعلت من صدام ملهم الرجولة ، وبطل الأذهان العربية المرهقة ، هو فراغ الساحة الإقليمية والعربية من مشروع عربي مسلم يستوعب هذا الحماس الشعبوي ويناضل من أجل أهدافنا القومية ويسهر على أوجاعنا بالتطبيب ولو بالتطبيل ، ولذا نفخنا في روح هيكل متهالك واستعدنا البطل الوهمي في شخص صدام على عيباته القاتلة وفعلاته الفاضحة .
كتاب " شاهد عيان " يعيد إلى الحقيقة موقعها من الأذهان العربية ، وهو يعالجنا من هذا الهوس بشخصية صدام التي لا نعرف عنها سوى أنه وقف في وجه العجرفة الأمريكية والإيرانية قبل ذلك ، والحقيقة أنه لم يقف في وجهها بل اختبأ في نفق مظلم ومزري ومهين .
الكتاب يحوي قصة أسرة كبة وسجن عائلها وابنها والتضييق عليهم وقصص غير متخيلة لا يقوم بها صبيان الحي والمتبطلين من فتوات الشوارع ، ولكن الدولة التي تصاب باختلال الثقة وتعيش بهاجس بوليسي وتفرط في المصلحة الوطنية لأجل نهمة الحزب الأوحد وتؤمن بالرجل المتفرد في مقابل الشعب الذي لا مانع من انحداره إلى أسفل السافلين تفعل ذلك وأكثر .
يوم الجمعة ١٢ / ١١ / ١٤٣٣ طويت الصفحة الأخيرة مع الكتاب وأنا أزيد يقيناً أن صدام " واحد " من أسباب ما يحدث في العراق هذه الأيام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق