الاثنين، 8 أكتوبر 2012

النقد الثقافي




سئلت مرة عن كاتبي المفضل ؟ وهذا سؤال كبير وعميق وليس بالبساطة التي تعتقدها ، لأن الكاتب المفضل بالنسبة للقارئ الجيد ليس ذلك الذي تسبقه شهرته أو تروّج له جدليته الطافحة حتى تغرق الموضوعية والجدة والثراء المعرفي في بحر لجيّ .
الكاتب المفضل بالنسبة للقارئ الجيد هو الذي يزلزل أركانك ويشلّ كيانك ليس لأنه يدبج لغة أدبية بلاغية متشعرنة ، تغذي بكتيريا الذكورة المستفحلة أو ترسخ نسقيتك العربية المرهقة وذهنيتك التقليدية الرتيبة ، الكاتب المفضل هو الذي يفجأك بالحقيقة التي كانت قريبة المنال منك لكنها محجوبة بكثافة التبسيط وأستار التعالي باسم النسق العاجي الرقيع .

مباشرة سردت عبد الله بن محمد الغذامي إلى جانب محمود عباس العقاد ومصطفى محمود رجل الشك والإيمان ، والحق أن هناك بقية باقية من الكتاب المفضلين الذي أفخر بذكرهم ضمن من يترك أثراً جيداً في الذهن والفكر والخاطر بمجرد إتمام واحد من مؤلفاتهم ، إنها مشبعة بالعاطفة الصادقة والمعرفة العميقة والجرأة الأدبية العالية ، ولذلك تساعدك كثيراً في بناء ذهنية متعالية عن الأنساق التقليدية التي تطمر الموهبة والفرادة والحق في التميز .

ولمن يريد قراءة مشروع الغذامي النقدي الثقافي لا يصح أن يهمل كتاب النقد الثقافي هذا الذي جاء كقراءة في الأنساق الثقافية العربية ، وهو العمود الفقري لمشروع الغذامي ، واضح في ارتياح الكاتب إلى هذا التصنيف ، وإلى التضمين الهادئ شبه اليقيني للأفكار فيه بعد مشوار من التحدي والضغط الثقافي والنفسي بعد كتاب الخطيئة والتكفير الذي سبب ضجة عالية .

الغذامي يريد أن يقول أن الواجب الموضوعي في مهمة النقد الثقافي يقتضي التوجه إلى الأنساق المضمرة التي تحرك الرغائب وتصنع العجائب ، لأن ذلك حريّ بالكشف عن الحقيقة وراء البواعث والغايات ، يساعد في التخلص من المضمونات المشوهة التي تكبل العرب في طريق نهضتهم وإحلال المعاني الحضارية والعصرية التي بيدها أن تتقدم بنا إلى الأمام وأن تساعدنا في النهضة والتنمية .

نظرتنا للأدب كأداة تعبير ثقافي راقي مشبعة بالتقديس والتقدير سيما الشعر ، وهذا يقلل من فعالية النقد والخلاص من سيطرة عيبات الشعرنة ، ولذا لزم التخفيف من هذه النظرة المبالغ فيها لأن الجمال شيء والأداة الموضوعية الحيادية شيء آخر .
تقاليد المؤسسة المفروضة في أدوات الإنتاج والنقد الثقافي تساعد على عيش الطفيليات الشائهة في كياننا الثقافي ، والخروج من قبضة المؤسسة التقليدية لازم لبث المعاني الحقيقة بالإنسان الجديد .



الإثنين ١ / ١١ / ١٤٣٣

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق