منذ فترة طويلة وأنا لم أقرأ كتاباً بصوت عالي وحماس كبير ، كنت أحياناً أقرأ كتباً وكأنها تتقاذفني بالأفكار الجهنمية والكشوفات الفكرية التي تصل حرارتها إلى سويداء قلبك فتستفز تعشقه للحقائق ونهمته المعرفية ، وهذا غاية ما بلغته عندما تلوت تراتيل سلمان العودة في هذا الكتاب الناضج الرائج .
ورغم أن شكل هذه القراءة التي تخلّت كلية عن هدوء القراءة الذي تتطلبه القراءة الناقدة كشرط أصيل ، إلا أن بعض الأفكار والصور الثقافية تصلك بصدقيتها مباشرة دون حاجة إلى مبرر عقلي أو تحوط ثقافي .
هذا الكتاب مرهون بهذه الحقبة الثقافية والزمنية التي شهدت حدثاً عالمياً وإنسانياً ضخماً ، وهذه الصورة الجديدة لسلمان العودة لا يمكن تفسيرها دون الإحاطة بظروف الثورات العربية التي قلبت أنظمة حكم عتيقة ومستبدة وضاربة في العراقة البوليسية وجذور الفساد المستشرية في كل أطراف البلاد .
لقد هزّت هذه الثورات كراسي الحكم وأدوات الفهم وخطوط الرسم ، لقد غيرت كل شيء ، فمن راغب في المواكبة إلى انتهازي ينوي الاستغلال إلى متأثر لم يسلم من التغيير إلى صانع يهم بالمشاركة ، ويبدو أن سلمان العودة أراد بكتابه الأخيرة والأولى منها .
الكتاب يجيب من الجانب الشرعي ابتداءاً عن كل أسئلة الثورة من انطلاق شرارتها وحكم القيام بها إلى قطف ثمارها وتحصيل نتائجها وما بين ذينك من ظروف وأحداث واستثناءات وتصفيات وانحناءات وتجليات ، رغم صغر حجم الكتاب وقلة عدد أبوابه ولكن الشيخ الفاضل حاول أن يستوعب كل ملابسات ومستلزمات الثورة وكأنه حقيبة ثورية متطلبة لكل مشروع ثورة جديد في طور التحضير أو الإنفاذ أو مجرد النية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق