لشاب مثلي يعيش في محافظة تتوسط منطقتي مكة المكرمة وجازان لم يكن بعيداً كثيراً عن أحداث الحرب السعودية الحوثية ، إذ كانت أرى أرتال الجيش السعودي وقطعه العسكرية تقطع وسط قريتي البسيطة متجهة نحو جازان قادمة من تبوك الشمالية الباردة .
وأكثر من هذا عندما يشارك اثنان من إخوتي في الجيش السعودي وفي الجبهة بالتحديد ، كانوا وقتها يهاتفوننا بشكل مستمر ليخففوا من الضغوط النفسية ويبقون على اتصال دائم بأهليهم ، كانوا يحدثوننا عن كون المسألة جادة وليست مجرد تطهير وطرد للمتسللين الحوثيين .
ولكن مفاجآت التمرد الحوثي على الحدود السعودية كانت خافية على مواطن بسيط عادي يتغذى بالأخبار من الصحف والفضائيات المحلية التي تمارس تحفظاً قاسياً وأفقاً ضيقاً للغاية ، ولكن هادي فقيهي الذي نشأ وترعرع في المنطقة نفسها وتجرعت عائلته ويلات النزوح قرابة العام يمكن أن يقدم وجبة دسمة لكل متطلع ، يمكن أن يكتب ما يستحق القراءة ، وبالفعل .
الكتاب يبدأ في تعريفك بالمناطق التي دارت فيها رحى الحرب وانتشرت فيها مجاميع الحوثيين الذين اخترقوا السيادة السعودية وعرضوا أنفسهم لقسوة جيش مدجج يمتلك قوة جوية ضاربة ، ولكن الحرب هي نفسها بشحوبها ووحشيتها التي تتمدد في الأوساط الشعبية على الجانبين وتلقي بأوزارها على المدنيين .
بإمكانك عبر هذا الكتاب أن تعرف خلفية المتمرد الحوثي ومطالبه السياسية ، وتحيط ببعض الظروف التاريخية للحرب الحوثية التي تكررت خمس مرات سابقاً وكانت السادسة هي الأخيرة التي تجاوزت حدودها الجغرافية إلى الوطن السعودي وتسببت في تغيير معالم الحدود بين الشقيقتين التي عاشت مخاضات صعبة وتحديات سياسية مختلفة وستعرف شيئاً عن هذا في الكتاب نفسه .
المؤلم هو وجه الحرب الآخر ، فرغم الحسم العسكري السعودي للتمرد الحوثي والذي لم يسلم من بعض أخطاء تكتيكية وخسائر بشرية على الجانب السعودي وبالطبع على الجانب الحوثي وهذه عادة الحرب ، إلا أن المدنيين هم من يدفع الفاتورة الأغلى في الحرب ، إذ عاشوا ويلات النزوح وأخطاء البيروقراطية المقيتة وضعف التجاوب الإداري وكانت الآثار مؤذية ومؤسفة للقارئ كذلك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق