مالك بن نبي مفكر جزائري لم يكتشف بعد ، له من المؤلفات كثير وهو بشروط النهضة خبير وبالاهتمام والقراءة له جدير ، بالنسبة لي يعتبر هذا الكتاب الأول الذي أقرأه لهذا المفكر الناضج ، غير أني سمعت عنه كثيراً وقرأت عنه أكثر مما قرأت له ، وإذ قرأت له هذا الكتاب واكتشفت قدرته على الفهم والإحاطة وسبر أغوار عوائق النهضة الإسلامية فإني لا أستغرب ممن شهدت له الأمه بالعلم والفهم .
وهو عندما يتحدث فإنه مشبع بالثقافة الإسلامية سيما في مصدرها القرآني الذي استنطق منه السنن الكونية وأنزلها على الوقائع التاريخية ، كما أنه ملم بالنتاج الغربي الحضاري وهو عاش طويلاً بينهم وأحاط بثقافتهم .
وهنا في هذا الكتاب لا يتحدث عن بنية المجتمعات الراغبة في التقدم بطريقة سطحية ولا مباشرة ، ولكنه يتناول المقومات السليمة والأساسات القويمة اللازمة لأي مجتمع ينوي التحرك باتجاه التمدن والتقدم والنهوض وإفساح مقعد له من بين أمم الصدارة والتأثير .
إنه يتناولك عبر كتابه في تراتبية مترابطة ومتسلسل منطقي لإقامة مجتمع نشط له غاية وحكمة ومصوغ في إطار علائقي متين وفاعل ، وهذه شروط المجتمعات الحية والناجحة ، وإذا كان بعض مفكري الغرب أسس المجتمعات على قاعدة ( الجدلية الطبقية ) أو ( التحدي الجيوسياسي ) فإن ابن نبي لا ينفي هذا بقدر ما يسوق تأكيدات تاريخية لدور الدين كذلك في حفز المجتمعات على التعاون وتحقيق فاعليتها الاجتماعية الثرية .
ثم يثري أفكارك ويصوغ ذهنيتك وينضج تصوراتك بحزمة من ضرورات بناء المجتمع القوي الذي ينخرط فيه شخوص أقوياء على أساس تربية اجتماعية رشيدة وليس مجرد أفراد منفصلين في جزر مستقلة ومتباعدة لا يكونون مجتمعاً فاضلاً ولا يحققون غاية راشدة .
أستطيع أن أقول ابتداءاً أن المفكر مالك بن نبي بمسحته الإسلامية المعتدلة يملك مشروع نهضة متكامل ، إذ يبدو ذلك من تناوله لبناء العلاقات الاجتماعية في صورتها العميقة وليست مجرد العلاقات الثنائية التبادلية المباشرة ، هذا مالك بن نبي الذي يجسد المفكر الحقيقي اللازم لمشروع النهضة الغائب عن العرب والمسلمين .
يملك هذا الكتاب شهرة واسعة في الأوساط الأدبية العربية ، وهو حديث أديب ياباني مستعرب عاش طويلاً في بوادي مصر وسوريا وحواضرها وزار حضرموت باليمن والمغرب ، وسبر غور الأدب العربي قديمه وحديثه سيما الرواية وعشق قلم الليبي إبراهيم الكوني والمغربي عبد اللطيف اللعبي والفلسطيني غسان كنفاني والمصري يوسف إدريس .
وتحدث نوبواكي نوتوهارا عن أربعين سنة عاشها في البلاد العربية ودراسة الأدب العربي وجمعته علاقات واسعة بالبدو والأدباء والرواة العرب ، كانت كفيلة أن تؤهله لكتابة مؤلف يكشف عن وجهة نظره في العالم العربي بكل آمالهم وآلامهم سيما إذا كانت من وجهة نظر رجل ياباني يمثل ثقافة مغايرة ومختلفة وشديدة البون ، إذاً ثقافتان مغيبتان عن بعضهما ومحجوبتان إلا من جسر أوروبي مهلهل ممدود بينهما وواصل إلى بعضهما ولكنه لا يؤمن جانبه ولا يضمن سالكه .
بدأ اليابانيون منذ الجيل الأول حتى الجيل الشاب الرابع اكتشاف العرب بأنفسهم ، ومد جسور تواصل مباشر بين الثقافتين وعدم الاعتماد على وسطاء ربما يضللون الحقائق ويضربون بالعوائق دون تواصل حر ونزيه .
أما العرب في وجهة نظر نوبواكي نوتوهارا فإنهم يعانون من ويلات القمع السياسي ، تسيطر عليهم حكومات غير منتخبة ولا شرعية ولا حريصة على مستقبلهم ، ينتشر الخوف والفساد وتنعدم الثقة وتضيع الثروات ويستشري بلاء الاستبداد في كل مكان ، هذا في الحواضر المستقرة .
أما في الصحراء فهناك إنسان آخر ، يعيش انسجاماً بارعاً مع الطبيعة الصحرواية القاهرة ، يمارس الصبر كأسلوب حياة لمقاومة المحل والضجر الذي لا يعرفه الصحراوي على أساس أن مفهوم الزمن عنده يختلف عن الرجل المستقر ( المتمدين ) .
الكتاب مكتوب بلغة العرب بمعنى أنه موجه إلى القارئ العربي ، وهو شبه مقارنة بين العرب وبين الحالة اليابانية التي شكلت طموحاً عربياً مشروعاً بعد تفوقهم على ضعفهم ونوايا القوى العظمى السيئة تجاههم ، لا سبيل للتشكيك في نوايا الكاتب الياباني الذي تناول الحالة العربية بكل عاهاتها لأنه يكتب بطريقة موضوعية ومباشرة دون مرواغة أو أدنى محاولة للشك في مراميه البعيدة واعتمد إلى حد بعيد على معاشرة الرجل العربي في بواديه وحواضره وعلى نتاج الرواية الأدبية التي جسدت له الأبعاد التاريخية والأسطورية والذهنية لسلوك العرب .
منذ فترة طويلة وأنا لم أقرأ كتاباً بصوت عالي وحماس كبير ، كنت أحياناً أقرأ كتباً وكأنها تتقاذفني بالأفكار الجهنمية والكشوفات الفكرية التي تصل حرارتها إلى سويداء قلبك فتستفز تعشقه للحقائق ونهمته المعرفية ، وهذا غاية ما بلغته عندما تلوت تراتيل سلمان العودة في هذا الكتاب الناضج الرائج .
ورغم أن شكل هذه القراءة التي تخلّت كلية عن هدوء القراءة الذي تتطلبه القراءة الناقدة كشرط أصيل ، إلا أن بعض الأفكار والصور الثقافية تصلك بصدقيتها مباشرة دون حاجة إلى مبرر عقلي أو تحوط ثقافي .
هذا الكتاب مرهون بهذه الحقبة الثقافية والزمنية التي شهدت حدثاً عالمياً وإنسانياً ضخماً ، وهذه الصورة الجديدة لسلمان العودة لا يمكن تفسيرها دون الإحاطة بظروف الثورات العربية التي قلبت أنظمة حكم عتيقة ومستبدة وضاربة في العراقة البوليسية وجذور الفساد المستشرية في كل أطراف البلاد .
لقد هزّت هذه الثورات كراسي الحكم وأدوات الفهم وخطوط الرسم ، لقد غيرت كل شيء ، فمن راغب في المواكبة إلى انتهازي ينوي الاستغلال إلى متأثر لم يسلم من التغيير إلى صانع يهم بالمشاركة ، ويبدو أن سلمان العودة أراد بكتابه الأخيرة والأولى منها .
الكتاب يجيب من الجانب الشرعي ابتداءاً عن كل أسئلة الثورة من انطلاق شرارتها وحكم القيام بها إلى قطف ثمارها وتحصيل نتائجها وما بين ذينك من ظروف وأحداث واستثناءات وتصفيات وانحناءات وتجليات ، رغم صغر حجم الكتاب وقلة عدد أبوابه ولكن الشيخ الفاضل حاول أن يستوعب كل ملابسات ومستلزمات الثورة وكأنه حقيبة ثورية متطلبة لكل مشروع ثورة جديد في طور التحضير أو الإنفاذ أو مجرد النية .
لشاب مثلي يعيش في محافظة تتوسط منطقتي مكة المكرمة وجازان لم يكن بعيداً كثيراً عن أحداث الحرب السعودية الحوثية ، إذ كانت أرى أرتال الجيش السعودي وقطعه العسكرية تقطع وسط قريتي البسيطة متجهة نحو جازان قادمة من تبوك الشمالية الباردة .
وأكثر من هذا عندما يشارك اثنان من إخوتي في الجيش السعودي وفي الجبهة بالتحديد ، كانوا وقتها يهاتفوننا بشكل مستمر ليخففوا من الضغوط النفسية ويبقون على اتصال دائم بأهليهم ، كانوا يحدثوننا عن كون المسألة جادة وليست مجرد تطهير وطرد للمتسللين الحوثيين .
ولكن مفاجآت التمرد الحوثي على الحدود السعودية كانت خافية على مواطن بسيط عادي يتغذى بالأخبار من الصحف والفضائيات المحلية التي تمارس تحفظاً قاسياً وأفقاً ضيقاً للغاية ، ولكن هادي فقيهي الذي نشأ وترعرع في المنطقة نفسها وتجرعت عائلته ويلات النزوح قرابة العام يمكن أن يقدم وجبة دسمة لكل متطلع ، يمكن أن يكتب ما يستحق القراءة ، وبالفعل .
الكتاب يبدأ في تعريفك بالمناطق التي دارت فيها رحى الحرب وانتشرت فيها مجاميع الحوثيين الذين اخترقوا السيادة السعودية وعرضوا أنفسهم لقسوة جيش مدجج يمتلك قوة جوية ضاربة ، ولكن الحرب هي نفسها بشحوبها ووحشيتها التي تتمدد في الأوساط الشعبية على الجانبين وتلقي بأوزارها على المدنيين .
بإمكانك عبر هذا الكتاب أن تعرف خلفية المتمرد الحوثي ومطالبه السياسية ، وتحيط ببعض الظروف التاريخية للحرب الحوثية التي تكررت خمس مرات سابقاً وكانت السادسة هي الأخيرة التي تجاوزت حدودها الجغرافية إلى الوطن السعودي وتسببت في تغيير معالم الحدود بين الشقيقتين التي عاشت مخاضات صعبة وتحديات سياسية مختلفة وستعرف شيئاً عن هذا في الكتاب نفسه .
المؤلم هو وجه الحرب الآخر ، فرغم الحسم العسكري السعودي للتمرد الحوثي والذي لم يسلم من بعض أخطاء تكتيكية وخسائر بشرية على الجانب السعودي وبالطبع على الجانب الحوثي وهذه عادة الحرب ، إلا أن المدنيين هم من يدفع الفاتورة الأغلى في الحرب ، إذ عاشوا ويلات النزوح وأخطاء البيروقراطية المقيتة وضعف التجاوب الإداري وكانت الآثار مؤذية ومؤسفة للقارئ كذلك .
كل إصدارات المركز الثقافي العربي تؤخذ من جانب الكثير على محمل الجد والاهتمام ، وهذا الكتاب الذي خطه فايد العليوي يسبر غور واحدة من المحظورات الاجتماعية والثقافية والسياسية في المملكة العربية السعودية عرين السلفية الإسلامية التي انتهجت أساليب متحفظة في التربية الاجتماعية والحراك الثقافي والنشاط السياسي .
تحفظ ونأي بالنفس يأخذ أشكالاً متعددة وتبريرات مختلفة باسم التقاليد والدين واللارغبة السياسية ، أحياناً يغلو إلى درجة العطالة الفكرية وخسارة الرهانات السياسية وتفويت مصالح الشعوب وتمرير الأخطاء القاتلة .
ورغم أن الكتاب متخفف من أثقال الشروط الأكاديمية والبحثية ويتناول القضية من جانبها الاجتماعي والثقافي مما جعله سهلاً هنيئاً مريئاً لقارئ بسيط وعادي مثلي ، وهنا تكمن ضرورة الكتاب وتوجهه الذي يكشف عن ضحالة الثقافة السياسية في الأوساط الشعبية والمجتمعية السعودية .
ولقد أكد الكاتب عبر مقطوعاته التاريخية والعلمية واقتباساته لبعض الكتاب الغرب والعرب عن أهمية الثقافة السياسية لأي مجتمع ينوي التقدم والنهوض والازدهار ونيل حقوقه المشروعة ومواكبة الأمم والشعوب التي تشرئب لمستقبل مشرق وكريم وسعيد لها ولأجيالها .
تناول العليوي ضعف الاستعداد الاجتماعي لتشرب الثقافة السياسية وأسباب ذلك التي تتوزع بين انخفاض الرغبة الشعبية منذ التربية الأسرية إلى اللامبالاة التعليمية حتى بلوغ المواطن مراحل عمرية ووظيفية كلها تسهم في تجنيب الفرد أي نية أو حتى أبسط احتكاك للتزود بثقافة سياسية تحقق له الاندماج السياسي والنشاط الثقافي والحراك الاجتماعي الذي يضمن تحصيل الحقوق وتطوير المنظومة الوطنية في كافة جوانبها .
تناول الكاتب ( أنظمة الحكم ، الحرية ، الوطنية والمواطنة ، المعارضة ، البطانة ، الدولة ) حسب الثقافة السياسية السعودية ، وكشف عن ضعف الدراية بها التي تصل إلى حد تشوه المفاهيم وتعرضها لحالات انتقاص وتضليل كبيرة ، وبعضها الآخر يمارس على هيئة بدائل غير ناضجة ولا مستوفية لشروط فاعليتها وتأثيرها الحقيقية ، باختصار تكون موظفة على نحو منزوع الدسم .
( خمسون مقالاً يبحث عن الحقيقة )
كوب شاي عدني وجريدة الشرق الأوسط هي التعبير الصارخ والتقليدي لصباحاتي في مدينة الرخاء والشدة ( جدة ) ، والشرق الأوسط رغم أنها تمثل ذروة الخطاب المتصهين حسب رأي بعض إخوان السعودية ولكنها جريدة العرب الدولية كما تعرف نفسها وتحوي ما يستحق الاهتمام والقراءة .
ومن كتابها ممن أحب القراءة له وتتبع حروفه في الجريدة هو أستاذ السياسة الكويتي محمد الرميحي ، وهذه المرة جمع مقالاته في كتاب واحد لمناقشة قضايا العرب التاريخية والراهنة وسؤال المستقبل الضبابي ، ويتناول كل الظروف والأحداث العالمية التي لها صلة من قريب أو بعيد بالشأن العربي .
الرميحي يكتب بتعقل ولا شك ، ولكن التعقل أحياناً يكون انبطاحاً وقبولاً بالألم وربما يصل إلى حد الرضا به والاحتفال له بعد درجة التعايش وقبول الأمر الواقع ، هذا ما يقوله خصوم ( الخطاب المتصهين ) وأنا أوافقهم بعض الشيء وأخالفهم أحياناً وربما دائماً .
يجب أن نستقوي قبل أن نعوي ، إذ عندما نولول وندبج خطابات قذائفية ونحن لا نملك قوة حقيقية ننافح بها عن مشاريعنا وخططنا فإننا في الحقيقة نعطي العدو تبريراً لقتل ما تبقى من حياة في قلوبنا وأجيالنا ، في المقابل عندما تسد الأبواب في وجوه من يريد العمل ومواجهة العدو بالصدق والنزاهة وامتلاك القوة فإن المواجهة بالقليل خير من قبول الأمر الواقع على طبق من الإذلال والإهانة .
هذا ما يحدث في قضية العرب الأولى ( الصراع الفلسطيني الصهيوني ) ويجري على ما تبقى من قضايا وإشكالات الرجل العربي الذي هرم من انتظار الانتصارات المؤجلة لحكامه العظام الضخام الجسام .
الرميحي له قدر من التعقل وحظ وافر من الدراية التاريخية للحراك السياسي الشرق الأوسطي ونصيب لا بأس به من القدرة على التنبؤ بالمستقبل وفهم واسع لنوايا وخبايا القوى النشطة في المنطقة وهذه شروط الكتابة السياسية ، وله قلم جيد متميز وعذب يستحق القراءة .
أما إبراهيم البليهي المفكر السعودي صاحب التجربة الإدارية في بلديات المملكة وصاحب الأطروحات الفكرية الغريبة على أرض سعودية لم تبارح طبيعتها التقليدية ولا صورتها المنضبطة بحياض شرعي متين وسياج اجتماعي حصين .
جمع هذا الكتاب من مجموعة حوارات له في الصحف السعودية والندوات الحوارية والمنتديات الإلكترونية وأجزاء من كتب قام بتأليفها شراكة مع غيره من المؤلفين ، وهي أسئلة عامة وخاصة حول قناعاته وأطروحاته ومرئياته حول قضايا عامة وهامة بالنسبة لرجل عربي ومسلم يبحث عن ضالته وينشد مخرجاً لحالته .
وهو متذمم من حالة العرب وسلبيتهم المقيتة وعطالتهم الحضارية وتأكيده المتكرر على عدم مشاركتهم في أي تقدم للبشرية أو ضخهم شيئاً من النفع والفائدة للحضارات البشرية ، فضلاً عن تأكيده اليقيني بفرادة الحضارة الغربية العصرية وأنها غاية ما بلغه الإنسان من حضارة وتقدم وعدالة على الأرض .
ولدى البليهي خارطة طريق للخروج من أزمة العرب والمسلمين ، ويصر أن أفضل الطرق وأقوم المسالك هو الليبرالية التي تضمن لقيم الإسلام ومبادئه أن تنمو وتعيش وتتطور في إطار حر ومتسامح ويسلم الأمة من شرور الإكراه والاستبداد والفساد .
البليهي ليس رجلاً عادياً ، وبالنسبة لي فإن مفكراً يحمل هذه القناعات المستنيرة والتقدمية في ظل ثقافة تقليدية ومتخلفة تعتبر شجاعة أدبية عالية ، وإن كنت أحياناً متحفظاً على بعض قناعاته التي تعود باليأس على الرجل العربي وتقديس كل ما ينتمي إلى الآخر وهذا خلاف الموضوعية والدقة المتوخاة في القراءة الفكرية الهادئة والمتزنة .
وهو يشنع على الثقافة والتركيبة الذهنية للمجتمعات العربية ويعلق عليها العلات التي تعود على الأمة بالتخلف وتقيدها دون مطامحها الحضارية وفاعليتها البشرية ، وهذا صحيح إلى حد بعيد لأن كل الحلول التي ستتخذ بمنأى عن تفكيك هذه القيود الاجتماعية وحلحلة العقد الذهنية والثقافية ستبقى مجرد تطبيب سطحي ومعالجة شكليه لا تعود بأدنى نفع أو فائدة .
للبليهي مشروع قادم وهو مؤلفات بأجزاء يمكن قراءتها مجتمعة أو منفصلة في بنية الجهل ومقومات التقدم ولعله تأخر طويلاً لشدة تعقيد القضايا المتعلقة وفداحة الأسباب المتصلة بالموضوع كما يقول البليهي .
مرة أخرى تأتي إصدارات مركز المسبار للبحوث والدراسات وكالعادة لقراءة الحالة السعودية في صورتها الفكرية والثقافية والاجتماعية ، هذه المرة عبر جماعة الإخوان المسلمين الشهيرة وصاحبة السبق والطول والحول في العالم الإسلامي .
كان للإخوان المسلمون ثمة وجود لا يستبعد استمراره مختبئاً وصريحاً في الوطن الخليجي ، غير أن بحاثة المسبار يكشفون عن نوايا هذا الوجود ومبرراته السياسية والتمويلية ، فضلاً عن القراءة في تاريخية التجربة وحضورها الراهن وعلاقتها بالحكومات القائمة الخليجية التي تضيق بمثل هذه التكوينات السياسية ، وقراءة التفاعل الاجتماعي والتجاوب الثقافي مع أدبيات هذه الجماعة التي تنوعت بين انحسار الشك وانبراء الثقة .
محمد حامد الأحمري صاحب هذا الكتاب ليس رجلاً عادياً ، فهو مبشر الديمقراطية في الوطن الخليجي ، عاش قسطاً وافراً من عمره في الولايات المتحدة وعاد محملاً بالقناعات حول جدوى هذا الفضاء السياسي الفذ ، غادر بلدته الجنوبية من السعودية إلى الدوحة القطرية واختار التسمي بجنسيتها ، رجل هادئ ومقنع وموسوعي ومؤمن بهويته العربية والإسلامية .
أضيف إلى كل ذلك قدرته على التفاؤل رغم كل دواعي اليأس في العالم العربي والإسلامي ، وفي هذا الكتاب بالتحديد الأحمري المنعتق من قبضة السذاجة السياسية السلفية يؤكد أن ملامح المستقبل تتخلق على نحو يعيد للإسلام والعروبة دورهما من قيادة هذا العالم .
استجدى الأحمري كل معطيات الغرب ونتائج التوق العربي والإسلامي للتأكيد على الفرص الواسعة التي يكشف ثغرها عن ابتسامة عريضة في وجه العالم العربي والإسلامي .
إذا كانت البلدان العربية تعيش ثورات شعبية جامحة فإن السعودية بحراك اجتماعي وثقافي على غير العادة ، الصواب أن السعودية منذ الثمانينات وهي لم تهدأ ولكنها وبفعل شبكات التواصل الاجتماعي التي مشفت عن عطش اجتماعي للتعبير وتوق شعبي للإفصاح عن ذوات تتباين رؤاها وآراؤها تجاه الوطن والفكر والمعتقد .
السلفية الجامية لها ظروفها التاريخية المعجونة بالأثر السياسي الواضح ، إذ تعرف الجامية أو تتهم بالمغالاة في عقيدة الطاعة لولاة الأمر كشرط سلفي أصيل والاهتمام بتبديع المخالف في كل صغيرة وكبيرة حتى لتكاد تنشق على نفسها وتنشطر كينونتها لشدة ما يوظفون أدوات النقد والمراجعات الشرعية لضمان العصمة العقدية .
الكتاب جاء ضمن إصدارات مركز المسبار للبحوث والدراسات التي تهتم كل عام بقراءة الحالة الفكرية والثقافية والاجتماعية في السعودية وتوظيف الباحثين والدارسين والمهتمين لاستصدار دراساتهم وبحوثهم في هذا الشأن ، رغم أن القضية المتناولة في الكتاب سعودية بحتة إلا أن غالب المشاركين فيه من خارج الحراك المحلي ولكنهم أجادوا وأفادوا في هذا الباب .
بنهاية يوم السبت ٢١ / ١٠ / ١٤٣٣ انتهيت من قراءة هذا الكتاب وهو عبارة عن ( يوميات صحفي في أزمنة التحول ) كتبها نواف القديمي أثناء زيارته لدولة لبنان الأرز وجمهورية مصر العربية طاف فيهما عدداً من أشهر معالمها التاريخية والعمرانية وزار نزراً من رجالات الفكر والثقافة والحراك الاجتماعي والسياسي .
القديمي عندما يكتب فهو بلغة رشيقة وروح أديب نختبئ وراء غلظة اهتماماته السياسية والفكرية الجامدة ، وعندما يتحدث عن بلد مثل لبنان مكتظ بالروح الثقافية العبقة والنفس السياسي المحموم فإن الحروف تكتنز كل هذه الحراك الموار والنشاط الفوار ، فضلاً عن نسيم بارد يتسرب من سفوح الجبال اللبنانية ويتلون باخضرار الأرض التي خبرت الجمال والسياسة والحرب .
أما مصر العربية الفرعونية الإخوانية المباركية الناصرية الساداتية القومية الليبرالية ، والبسيطة بشعبها كثير الخلطة لطيف المعشر حاضر النكتة قريب إلى القلب متباسط ومثقف ومجرب للسياسة والحرب والديمقراطية المنقوصة ، وكل هذا المزيج الفوضوي الرائع ستعيشه حياً في حروف هذا الكتاب .
أصبحت موقناً لحاجتنا إلى قلم كل صحفي جوّال في بلدان الله الواسعة وأرض الناس الشاسعة ، ليكتب لنا ما يسلي الخاطر ويزيدنا دراية بالكون من حولنا .