الاثنين، 8 أكتوبر 2012

من وحي الثمانين


لا حدود للقراءة ، رغم أنني أدرس الإعلام ومولع به وفي العمل له ، لكنني اكتشفت مؤخراً ولعي الشديد بعلم الاجتماع منذ اكتشاف ابن خلدون للعمران البشري والاجتماع الإنساني ومنذ اكتشافي هذا الولع بهذا الفن مع كتب عالم الاجتماع العراقي علي الوردي صاحب الكتب الجريئة والآراء المثيرة في الوسط العراقي والعربي .
الوردي تأثر كثيراً بابن خلدون سيما فكرة الصراع بين البداوة والحضارة التي أسقطها على الوجود الاجتماعي العرافي في سبيل الكشف عن أدوائه ومعالجتها بجرأة وشفافية بالإضافة إلى ازدواجية الشخصية العراقية التي يتهمها الوردي بالتسبب في كثير من العقد النفسية والإشكالات الاجتماعية التي يئن منها الواقع العراقي .


هذا الكتاب لعلي الوردي خلاصة أفكاره وأطروحاته العلمية والثقافية التي جمعها رفيقه الصحفي سلام الشماع ، جمعت بطريقة شمولية ومختصرة لا تخلو من الحس الصحفي في سلاسته واختزاله ، إلى جانب نقده الاجتماعي للواقع العراقي وحدته مع طرح الوعاظ الذين أسهموا بطريقة ما في تشتيت الذهن العراقي وتغذية عيباته ، تناول الوردي أسطورة الأدب الرفيع الذي جاءت في كتاب مستقل عن إشكالات النحو والشعر والتاريخ الأدبي الذي ترسبت انحرافاته في الوعي العربي .

الوردي له أطروحات ناضجة ومدفوعة بجرأة عالية تسببت له في الكثير من الهجوم السياسي والاجتماعي والثقافي ولكنه بقي قوياً صلداً مؤمناً بأفكاره التي رآها حقاً ماثلاً ، وهو من نوادر الرموز العربية الثقافية التي لم ترحل قبل أن تؤسس لها حضوراً فريداً في المشهد العربي .

الخميس ٢٦ / ١٠ / ١٤٣٣

النقد الثقافي




سئلت مرة عن كاتبي المفضل ؟ وهذا سؤال كبير وعميق وليس بالبساطة التي تعتقدها ، لأن الكاتب المفضل بالنسبة للقارئ الجيد ليس ذلك الذي تسبقه شهرته أو تروّج له جدليته الطافحة حتى تغرق الموضوعية والجدة والثراء المعرفي في بحر لجيّ .
الكاتب المفضل بالنسبة للقارئ الجيد هو الذي يزلزل أركانك ويشلّ كيانك ليس لأنه يدبج لغة أدبية بلاغية متشعرنة ، تغذي بكتيريا الذكورة المستفحلة أو ترسخ نسقيتك العربية المرهقة وذهنيتك التقليدية الرتيبة ، الكاتب المفضل هو الذي يفجأك بالحقيقة التي كانت قريبة المنال منك لكنها محجوبة بكثافة التبسيط وأستار التعالي باسم النسق العاجي الرقيع .

مباشرة سردت عبد الله بن محمد الغذامي إلى جانب محمود عباس العقاد ومصطفى محمود رجل الشك والإيمان ، والحق أن هناك بقية باقية من الكتاب المفضلين الذي أفخر بذكرهم ضمن من يترك أثراً جيداً في الذهن والفكر والخاطر بمجرد إتمام واحد من مؤلفاتهم ، إنها مشبعة بالعاطفة الصادقة والمعرفة العميقة والجرأة الأدبية العالية ، ولذلك تساعدك كثيراً في بناء ذهنية متعالية عن الأنساق التقليدية التي تطمر الموهبة والفرادة والحق في التميز .

ولمن يريد قراءة مشروع الغذامي النقدي الثقافي لا يصح أن يهمل كتاب النقد الثقافي هذا الذي جاء كقراءة في الأنساق الثقافية العربية ، وهو العمود الفقري لمشروع الغذامي ، واضح في ارتياح الكاتب إلى هذا التصنيف ، وإلى التضمين الهادئ شبه اليقيني للأفكار فيه بعد مشوار من التحدي والضغط الثقافي والنفسي بعد كتاب الخطيئة والتكفير الذي سبب ضجة عالية .

الغذامي يريد أن يقول أن الواجب الموضوعي في مهمة النقد الثقافي يقتضي التوجه إلى الأنساق المضمرة التي تحرك الرغائب وتصنع العجائب ، لأن ذلك حريّ بالكشف عن الحقيقة وراء البواعث والغايات ، يساعد في التخلص من المضمونات المشوهة التي تكبل العرب في طريق نهضتهم وإحلال المعاني الحضارية والعصرية التي بيدها أن تتقدم بنا إلى الأمام وأن تساعدنا في النهضة والتنمية .

نظرتنا للأدب كأداة تعبير ثقافي راقي مشبعة بالتقديس والتقدير سيما الشعر ، وهذا يقلل من فعالية النقد والخلاص من سيطرة عيبات الشعرنة ، ولذا لزم التخفيف من هذه النظرة المبالغ فيها لأن الجمال شيء والأداة الموضوعية الحيادية شيء آخر .
تقاليد المؤسسة المفروضة في أدوات الإنتاج والنقد الثقافي تساعد على عيش الطفيليات الشائهة في كياننا الثقافي ، والخروج من قبضة المؤسسة التقليدية لازم لبث المعاني الحقيقة بالإنسان الجديد .



الإثنين ١ / ١١ / ١٤٣٣

السبت، 6 أكتوبر 2012

أعلام الفكر العربي





تعودت أن أسبق قراءة كل كتاب يقع بين يدي بالاطلاع سريعاً على صاحبه وتوجهاته وأهم مؤلفاته وآثاره في الفكر العربي بكل ألوانه واتجاهاته ، وأحياناً يحدث العكس إذ يلفت نظري سيرة ما أو شهر لكاتب معين فأتحرى الحصول على بعض أطروحاته وكتبه المنشورة .
شيء مهم أن توثق العلاقة بين المنتج كفكرة ثقافية ناجزة وبين صاحبها بأعماقه الاجتماعية والتعليمية والاتجاهات التي ينتصر لها ويدعو إليها ، ليس بغرض التأثير على رأيك في أطروحاته أو شخصنة القضايا التي يتناولها ، فإن الحق بيّن عند من يتحرى الاستفادة ، لا يؤثر فيه توجه الشخص أو رأيه الشخصي في مقدس ما .

الدكتور السيد ولد أباه ( كاتب وأستاذ جامعي موريتاني، له كتب ودراسات عديدة منشورة في ميادين الفلسفة المعاصرة وإشكالات التحول الديمقراطي ) وضع مدخلاً إلى خارطة الفكر العربي الراهنة وجمع الرموز .

انتهينا منه بتاريخالأربعاء ٣ / ١١ / ١٤٣٣ والكتاب رائع في أسلوبه وطريقته ، الأسلوب كان مباشراً غير متكلف ، والطريقة فذة بتعريف مبسط للمفكر ثم بأهم مؤلفاته التي سجلته في قيد المفكرين ، ثم تناول مشروعه الفكري بشكل مستوعب وشامل حتى لكأنك طفت على مؤلفاته حرفاً حرفاً .

ينفع هذا الكتاب السهل اليسير للعامة في الاطلاع السريع والمباشر لرموز الفكر العربي المعاصر وأهم توجهاتهم وخلاصة أطروحاتهم ، وللمتخصص في الإطلاع على التوجه العام وتحديد المعالم الفكرية للكاتب والنفاذ مباشرة إلى الأطر العامة التي تصنع فكره وطرحه .



عبد الله القصيمي .. التمرد على السلفية





يورغن فازلا كتب هذا المؤلف وترجمه محمود كبيبو وبتاريخ الجمعة ٥ / ١١ / ١٤٣٣ انتهيت من قراءته ، والواقع أنه بحث أكاديمي جيد وغربي يحمل سمات الدقة وتحري الصدق والموضوعية في تناول واحد من الشخصيات الجدلية التي اشتهرت في العالم العربي وشكلت فاصلاً حرجاً في الحالة الدينية .
جاء العنوان مميزاً عندما كان عبد الله القصيمي " تمرداً على السلفية " وليس على الإسلام أو الله ، تمرد على الإسلام في صورته السلفية ، تمرد على مقام الله الكريم في رأي السلفية العميقة الذي نشأ بها وعليها عبد الله القصيمي .
كثرت التفسيرات حول هذه الشخصية الجدلية فمن قائل أن هذا غرور وكبر وتعاظم شخصي بلغ به إلى الإلحاد ، وآخر أعاد ذلك إلى كثرة العلم المنتهي بالاضطراب وعدم حماية النفس من مجالسة أهل الشبهات والقراءة في كتبهم ومحاولة الاطلاع على أطروحاتهم بنية حسنة أو سيئة ، وآخرون يؤكدون أن التطرف في اتجاه ينكص بالإنسان مباشرة إلى الاتجاه الآخر .
على العموم الاستفادة من هذه الشذوذات في تغليب المواقف والانتصار للآراء الشخصية والحزبية ليس جديداً ، وهذا المؤلف قام بعمل توثيقي وتاريخي لحالة التقلبات الفكرية والتحولات العقلية التي أصابت القصيمي وما لازم ذلك من تجارب شخصية وحياة عامرة بالتحديات والتجارب الضاربة في اليأس والألم والقسوة .

طفولة ليست على ما يرام ، وشباب متقلب ولاهث وراء الاحتواء والارتواء ، وشيبة لم تحفظ بالتهديد والإبعاد ، فضلاً عن العصر الذي عاشه القصيمي المزدحم بالتقلبات الفكرية والسياسية والثورات المتفجرة والثروات المشتتة مما جعل حدوث انحرافات بهذا الشكل وارداً وبقوة .
الكتاب محاولة لتأريخ قصة رجل اشتهر بتمرده ، ولعل في الظل عشرات الأشباه وأضعاف النظائر ولكن لم تحظى بهذه الشهرة الذائعة ، وهو إضافة في محاولات فهم هذه الشخصية الجدلية التي تحولت إلى ظاهرة تستخدم للكشف عن مناطق القوة والضعف ، عن مواطن الخطأ والصواب ، وعن تبين الطريق نحو الانسجام والتوافق النفسي والفكري والاجتماعي في أمة ما زالت تبحث عن المخرج ، وقد وظفت في سبيل ذلك أقصى التدين وأقصى الجحود ، ولم تزل تبحث في تيه سينائي لم تتبين خيوط انقشاعه بعد .


عمائم سود بقصر آل سعود






عمل لذيذ وماتع أن تقرأ عن بلادك ووطنك بقلم أحد جيرانك ، نفس الأماكن والطرقات والمدن التي ترتادها يومياً ولا ترى فيها سوى ما اعتدته وعرفته منذ نعومة أظفارك حتى لا ترى فيها ما يثير انتباهك أو يلفت نظرك ، ثم تقرأ عنها في صحائف زائر جديد ومذكرات وافد حديث فترى الفرق ، تشعر بالانتماء العجيب إلى هذه الزوايا ، تشعر أنك جزء منها انطبعت بهويتك الفريدة وصورتك المميزة .

الكتاب عبارة عن انطباعات شخصية عن نجد والحجاز كتبها العراقي رشيد الخيّون في زيارة أولى للبلاد السعودية ، تنقل فيها بين الرياض وضواحيها الواسعة وانتقل إلى مكة لأداء العمرة ثم جدة العريقة والمدينة المنورة ، كتب عن الحراك الثقافي وعن الآثار التي اختبئت خجلاً لفترات طويلة بفعل الموقف الديني ، عن التقارب السني الشيعي الذي يرفع عن ساقيه بين حين وآخر .

لا أعرف ما سر المتعة في هذا الكتاب ، هل هو الشعور بالفخار والانتماء لرجل يتحدث باحترام وتقدير إلى وطنك وتاريخك وأرضك ، أم رشاقة قلم رشيد الخيّون الذي أقرأ له لأول مرة بداعي العناوين التي يطرز بها مؤلفاته التي تثير الانتباه والرغبة في التهامها ، لا شك أن العاملين يشتركان في هذا الغياب الماتع في حروف هذا الكتاب .

تركي السديري ومشاري الذايدي وتركي الدخيل ومرزوق بن تنباك والشيوعي منصور وعمر الحضرمي الذي رافقه كثيراً في أرض الحجاز ، معرض الكتاب والجنادرية والأندية الثقافية في السعودية وجدة القديمة والقصر السعودي والصالونات الثقافية ، وكثير من الأشياء التي جاء ذكرها في هذ الكتاب الذي تردد الخيّون في كتابته وخيراً فعل عندما لم يستجب لنداء التردد ليخرج لنا بهذا القطعة اللذيذة .

شاهد عيان - ذكريات الحياة في عراق صدام حسين





أنا أكره صدام حسين إلى درجة الكفر بأسطورته ، إلى درجة التنكر لهذا الظل الفارع الذي ارتسم في أذهان أمتنا العربية ، أمة لا أعرف ماذا أصاب ذاكرتها بالخدر حتى نسيت أفعال هذا الطاغية في حق شعبه سنته وشيعته وأكراده ومسيحييه ؟ ماذا أصاب ذهنها من إعياء لدرجة انغمست صنائع هذا الظالم في حق إخواننا الكويتيين في بحر حسناته المظنونة ومراجله المثقوبة .

" جمان كبّة " هذه العراقية المكلومة أرادت قبل إسقاط نظام صدام حسين الورقي أن تخبر العالم عن أفعاله الشنيعة وصنائعه الفظيعة ، كتبت قصتها الشخصية وعائلتها في ظل نظام البعث الشرس الذي ابتلع العراق بتاريخه المديد وشعبه السعيد وأحلامه العامرة وأفراحه الغامره ، هكذا بمجرد اعتلاء منصب الرئيس بطريقة رخيصة التهم صدام كل ملامح العراق وأعمل فيها حتى شاهت .

لم يكن لصدام أن يكون رجل العروبة الأول لولا الاحتلال الأمريكي الظالم في حق أرضنا البغدادية وشعبنا العراقي الأبيّ ، لم تكن لملامحه أن ترتسم في وجه القمر أيام ذبحه لولا وصول طغمة طائفية فاسدة إلى سدة حكم هذا البلد العظيم بعد إزالة جثمان صدام المريض .
أشياء أخرى جعلت من صدام ملهم الرجولة ، وبطل الأذهان العربية المرهقة ، هو فراغ الساحة الإقليمية والعربية من مشروع عربي مسلم يستوعب هذا الحماس الشعبوي ويناضل من أجل أهدافنا القومية ويسهر على أوجاعنا بالتطبيب ولو بالتطبيل ، ولذا نفخنا في روح هيكل متهالك واستعدنا البطل الوهمي في شخص صدام على عيباته القاتلة وفعلاته الفاضحة .

كتاب " شاهد عيان " يعيد إلى الحقيقة موقعها من الأذهان العربية ، وهو يعالجنا من هذا الهوس بشخصية صدام التي لا نعرف عنها سوى أنه وقف في وجه العجرفة الأمريكية والإيرانية قبل ذلك ، والحقيقة أنه لم يقف في وجهها بل اختبأ في نفق مظلم ومزري ومهين .
الكتاب يحوي قصة أسرة كبة وسجن عائلها وابنها والتضييق عليهم وقصص غير متخيلة لا يقوم بها صبيان الحي والمتبطلين من فتوات الشوارع ، ولكن الدولة التي تصاب باختلال الثقة وتعيش بهاجس بوليسي وتفرط في المصلحة الوطنية لأجل نهمة الحزب الأوحد وتؤمن بالرجل المتفرد في مقابل الشعب الذي لا مانع من انحداره إلى أسفل السافلين تفعل ذلك وأكثر .


يوم الجمعة ١٢ / ١١ / ١٤٣٣ طويت الصفحة الأخيرة مع الكتاب وأنا أزيد يقيناً أن صدام " واحد " من أسباب ما يحدث في العراق هذه الأيام .

ساحات 2011





طبيب الأطفال حمود أبو طالب الذي يكتب يومياً لعكاظ السعودية ، يرصف مقالاته التي كتبها تباعاً في الصحيفة بالتزامن مع حالة الثورات المفاجئة ، هذه الساحات التي تحولت إلى حمم تقذف من باطن الظلم حمماً محملة بسنوات جحيم مكتظة بآلاف القصص المؤلمة لشعوب مطحونة جثم على صدرها طغيان الحكام حتى ما عادت تتنفس إلا هواءاً مسموماً بالخوف وتبصر مستقبلاً يخنقه الرجل البوليسي بقبضة من جوع ووجع .

الكاتب الصحفي يشبه غيره في الصحف السعودية لا تجد سوى السرد المقالاتي الممل ، وإن كان اتسم ببعض الحرية التي فرضتها الثورات العربية ، حربة لم تصنعها إرادة ما ولكنها كانت بمثابة صرخة تضيع في صخب الثورات لا يصل صداها إلى مسمع مخلوق ولذا لا خوف منها ، في الواقع هي حروف باردة مطبوعة بحبر فاخر على ورق معاد التصنيع لا نفس فيها ولا روح .

الكتاب عبر مقالاته التي تصل إلى أكثر من خمسين - تخميناً - تتناول بعض المواقف والأحداث التي عرضت في بلدان الربيع العربي ، بتاريخالسبت ١٣ / ١١ / ١٤٣٣ أنتهيت منه ، وقراءة هذا الكتاب في هذا الوقت المتأخر الذي أنجزت فيه العملية الانتقالية مراحل متقدمة في مصر وليبيا واليمن وتونس لا يفيد كثيراً ، إلا من بعض المبادئ العامة التي نتفق فيها مع الكاتب حول الحقوق المسلوبة والطغيان المتفشي والتجاهل التام لعوامل التنمية والتعليم والصحة والكرامة ودواليك من المطالب التي رفعتها الشعوب في وجه جلاديها .