" مدهش " هذا الشرق الأوسط ، ليس ثمة نسق ينتظم حركته السياسية ، يزخر بالمتناقضات حد العجز عن فهمه واستيعاب النواميس التي تحركه ، سيل المتغيرات الهادر لا يتوقف ، حتى ذلك الجمود الذي يجثم على طبيعته في شكل استقرار متخيل أو يأس من التغيير أو انسداد في الأفق ، ليس كما نتصوره من الثبات ، فهو قابل للتزحزح عن موقعه وربما الانقلاب تماماً على حالته .
هذا ما يمكن الخروج به من قراءة كتاب خالد الحروب الذي يختصر في عنوانه حالة السيولة السياسية في الشرق الأوسط ، التوازنات المتأرجحة في كل شيء ، وكأن العالم العربي يتمخض عن شيء فلا يولد إلا المزيد من الرغبة والجوعة والنهم للتحول الدائب المستمر بلا توقف أو هدوء .
يدعو الحروب إلى استعادة دور الرأي العام في التأثير على سياسات الدول وتوجهاتها ، ولعلي أخطأت في اختيار مفردة ( استعادة ) - وكسلاً لا أود العودة إلى تعديلها - ذلك أن الاستعادة تعني إعادة ما كان موجوداً وهو ما يخالف الحقيقة التاريخية .
والتعبير الأسلم هو إعطاء الاعتبار اللائق بالرأي العام الشعبي للتأثير في مصير بلده عبر الآليات الديمقراطية التي ابتكرتها البشرية وارتاحت لها أسلوباً لإدارة الشأن العام ، ولكن ثمة ما يعيق هذه المعالجة وفي قمتها حكومات الانفراد وداعميها من الغرب المستريح إلى طريقة حكم تكفيهم شر المتاعب وتؤمن لهم المكاسب .
الطامحون الجدد كإيران وتركيا يسهمون في مزيد من البعثرة لهذه المنطقة ، تتشابك الحسابات بطريقة معقدة تضيف نكهة الحيرة والتيه لمستقبل الشعوب ، يستخدم هذا الطموح أحياناً مخالبه ويعمل في الشعوب قتلاً ومصادمة لحقها التاريخي في الحرية كما تفعل إيران في الثورة السورية .
انسحاب أمريكا ومن ورائها القوى الأوروبية يغري روسيا باستعادة موقعها ومداواة خيبتها في العالم عبر إعادة تموضعها في الشرق الأوسط المشرع لكل الطامعين .
مستمر هذا الشرق في التداعي أو التنامي ، المهم ألّا يهدأ ، يعتمل بطريقة جنونية ويندلق بتحولاته الملتهبة ، والله وحده يعلم على أي جوديّ ستستوي سفينته ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق