يبدو عنوان الكتاب مثل قوسين تختصر مسافة الثورة التي التهبت مطالع عام ٢٠١١ ، وبين دفتيه يمكن أن تقف على حجم الحماس غير المحسوب الذي غمر الجميع يوم استطاعت هذه الثورات ولبعض الوقت فتح نافذة إلى الحرية .
من كان يصدق أن مبارك أو القذافي أو بن علي سيتزحزح قيد أنملة فوق كرسيه الذي يعض عليه بالنواجذ والخوذ وفوهات البنادق ، ولكن الثورة فعلت ذلك !
لم يسلم أحد من ريح مسته تعبق بالرغبة لتغيير كل شيء ، حتى لكأن الشعوب العربية يوم ثورتها اغتسلت من درن الرتابة الذي أحاط بها .
خاشقجي عبر هذا الكتاب تتبع التفاصيل اليومية أيام الثورات ، خاصة وأنها عبارة عن مقالاته الصحفية التي كتبت وقتئذ ، إذ تولدت العبارات والمشاعر من رحم اللحظة ، وتشعر وأنت تقرأ الكتاب وكأنك مأخوذ بكل حمولاتها العاطفية وشحناتها السياسية المستفيضة .
من المهم قراءة الكتاب لتشرف على حجم التأثير الذي تركته الثورات ، وتتزامن معها وكأنك تعيشها - هذا لو كنت صغيراً لم تلحقها أو زاهداً لم تحفل بها - من المهم قراءته لتقف على حجم الانبهار الذي لمع في ذهن ووجدان كل عربي .
أما قيمته التحليلية فتتوقف عند حدود انحسار الربيع العربي وانتصار الثورة المضادة في جملة من بلدانه باستثناء تونس التي توجت ربيعها بجائزة نوبل للسلام ، السلام الذي غاب من بلدان الربيع وحل بدلاً عنه القتل والتدمير والخراب .
الإخوان وهم الشق الآخر من عنوان الكتاب يعانون كذلك من تبعات هذا الربيع ، فالرئيس المصري القادم من صفوف الإخوان أصبح معزولاً ، ومحبوساً ، يواجه وجماعته مصيراً مجهولاً ، بعد عودة العسكر إلى حكم مصر .
وأسوأ ما حدث للثورة في مصر أن رئيس ما بعد الثورة جاء من الإخوان ، إذ فاز لأن جماعته أكثر تنظيماً وإن جاء بطريقة انتخابية مشهود بنزاهتها ، وبالمحصلة هو اختيار المصريين ولا تصح المزايدة على حقهم في اختيار من يحكمهم ، ولكن فوز رجل من الإخوان هو تعبير عن عجز القوى المدنية والوسطية - ومنها قوى الثورة الشابة - في الدفع بمنافس لائق يمكن أن يخفف من الاحتقان الذي ولد من خلفية تاريخية متوجسة في علاقة الإخوان والعسكر ، وضاعت الثورة ومكاسبها في ورطة هذا الخلاف التاريخي المعقد الذي استفاد منه فلول النظام السابق لاستعادة مواقعهم وحماية منافعهم .
عزل مرسي وأودعت جماعته السجون وقامت حملة عمياء لإقصائهم ، وهذا لم يتحقق في زمن الإلغاءات الشعواء بله أن يتحقق اليوم وقد تبدلت الأحوال واستقوت الكيانات ، ولكنها السلطة وشهوتها المقيتة .
سوريا هي الثورة العالقة ، وما زال المستقبل يحمل لها الكثير من الألم المجهول ، ولكنها تكابد لتسوي حساباتها المؤجلة ، وما لهم غيرك يا الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق