الأربعاء، 27 يناير 2016

مذكرات قبو



مذكرات قبو
- الداعشي انطلاقاً من لحظته الخاصة -

الكتاب مميز ، لأنه كتب بقلم رجل  خبير بحياكة الروايات وحبكتها المعقدة ومن جهة واجه حقيقة رحيل ابن أخته كاستشهادي إلى صفوف داعش ، فكأن حروفه أنضجتها الخبرة واعتصرها الألم ، وهذين أعظم موارد الكتابة النابغة الملهمة .
ولكنه في النهاية لا يستطيع أن يحيط بالحقيقة أو هو لم يزعم ذلك ، بل يحاول أن يبحث في شخوص الروايات الشهيرة بعض ملامح الشبه والاشتباك مع كل داعشي انضم إلى جماعة تحترف القتل والخراب والدمار الذي يبدأ بالنفس ذاتها ولا ينتهي عند حدود ، وكأن الإنسان أعجز الشيطان في مذاهب التفنن والشذوذ والقدرة على الإيذاء والإفساد وخراب الأرض .
بعيداً عن الكتاب الذي يعج بشخوص الروايات ومحاولات مبددة للوصول إلى معنى ، لا يبدو الداعشي بعيداً عن الواقع ، ليس بعيداً إلى حد البحث عنه عبر الإيغال في خيال الروايات الخصب وفضاءاتها القاصية في ابتكار الغرائب والفظائع .
الواقع متقدم على الخيال في هذه الحالة - والتقدم هنا لا يعني صورته الإيجابية - ، إذ لا يمكن الانتهاء إلى إجابة عند حافة الخيال دون الحفر جيداً في الواقع ، البحث فيه بتجرد وموضوعية وإلمام ، درس روح الزمن وحالة الوقت التي تفرز هذه الشذوذات على قارعتها ، وتنزّ بهذا القدر من التوحش والقلق والإيذاء .
خراب الأرض بدل إعمارها ، لأن الدعشنة اتجاه يصادم الأمر الإلهي والاحتمال الطبيعي ، الدعشنة ليست أمراً جديداً يبزغ على الأرض ولكنه التوحش البشري القديم الذي يضطرم في ذيول الحضارات ، وكأنه السحيق الذي يبتلع آخر نزع في روح أمة ما ، قبل أن تفيق أو تموت للأبد ، هذا بعض ما يتأجج داخلها من إمكان الخير والشر ، يعتركان لينتصر في النهاية ما يغلب منها ويطغى ، فإما البقاء أو الفناء .
إنه التحدي الحضاري نفسه ، يجرنا الإسفاف إلى مستنقعه ، بأدواته الوحشية ، بأفكاره المؤدلجة ، يهشم كل ما يعترض طريقه ، تبدو جيوش العقل والمنطق مستضعفة أمامه لا تقوى على شيء إلا إذا انتصر له أهل السلطات على تعددها ، وإلا فإن الفناء مصيرنا جميعاً ولا فكاك .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق