السبت، 31 مارس 2012

الفقيه الفضائي





أستطيع القول بنشوة وكأنني اكتشفت مفهوماً جديداً في الحالة الثقافية هو " التأريخ الواعي " الذي مارسه الناقد الثقافي العارف عبد الله بن محمد الغذامي ، وهو مفخرة ثقافية سعودية وقامة علمية رفيعة ، حيث قدم في كتابه المميز هذا رحلة تحول الخطاب الديني من المنبر إلى الشاشة .
للمرة الأولى تشعر أن الغذامي مارس محظوراً في التأصيل لمسألة شرعية وفقهية لا يحسن القيام بها إلا من قبل متخصص ومعني ومجتهد قام بتحصيل الشروط اللازمة واستجلب ما يقيه من تهمة التقول على الشرع والاشتغال بفن لا يجيده ، ولكنه احتمى بفكرة الشاطبي التي تجيز للعامي الاجتهاد ولو بتخيّر أقوال العلماء المفرودة دونه .
الحق أن الغذامي قدم تصوراً مبدعاً لما ينبغي أن يكون عليه الفقيه وهو يعتلي منبر الشاشة كلغة حداثية لها جمهورها الجديد وانتشارها الواسع ، وعلى الفقيه أن يلزم خطاً ذهنياً وخطابياً ينعكس على تلقي المسلم المقيم والمهاجر وعلى صورة الإسلام في أذهان موافقيه ومناوئيه .
تحدث عن الفتوى وهي الصناعة الدينية الأبرز نظراً لالتصاقها المباشر بالبشر وهي العملية الدائمة دوام الدهر ، ثم عن الاجتهاد والاختلاف كمفهومين يسجلان حضوراً دائباً وحساساً في تلمًحلة والحالة العامة .
حجب الفتوى ، الوسطية ، الاختلاف السالب ، موضوعات جذابة ومغرية وثرية تناولها هذا الكتاب وألقى بأفكار جديدة في موضوع يستحق الاهتمام والعناية يجعل منك قارئاً مغرماً بكتابات الغذامي ومتطلعاً إلى بقية مؤلفاته .

الطريق إلى اليقظة الإسلامية




إنه محمد عمارة مؤرخ المشروع الحضاري الإسلامي ، ومكتنز تيار الإصلاح الإسلامي بفكره التنويري ونهجه الوسطي وقدرته الاستيعابية وطريقه المقفر الذي يقل فيه السالكون من المفكرين والعلماء النابهين غير أن آثارهم باقية لا تزول وثابتة لا تحول .
في البداية تحدث عن المكونات الرئيسة التي تصنع كيان هذه الأمة وتمنحها هويتها ورسالتها ( الدين والعروبة والوسطية ) ثم أغرق في الحديث عن التراجع الحضاري وتنازل الأمة المسلمة عن دورها الريادي والمنتج .
تناول الأسباب الجامعة بشكل شمولي ومنكقي غير مبالغ في تحميل المسألة لغياب عامل ما ، فالأمة التي تفقد حظها من القوة والإنتاج لا يعقل أن يكون السر وراء ذلك مجرد ضعف في دين أو تقصير في واجب أو استئساط و خارجي إنما تكون جماع هذه الأسباب وتكالب هذه الظروف والأحوال .
ثم ينتقل بك عمارة إلى لب الكتاب وجوهر الحديث إلى " اليقظة الإسلامية " وعبر أبرز الدعوات والجماعات التي تبنت هذا المشروع عبر فهمها الخاص وتناولها لقضايا تحديث الأمة وإيقاظ أجهزتها وأطرافها التي استبد بها السبات وأخمدها النعاس .
الوهابية والسنوسية والمهدية وتيار الجامعة الإسلامية التي يغرم به عمارة كثيراً ، وجماعة الإخوان المسلمين التي تعيش لحظة تاريخية مع الثورات العربية ، والجماعة الإسلامية في الشق الهندي ، وأخيراً تيار الرفض الانقلابي الذي أقض مضجع الأمة ونقض أركان الجماعات الرشيدة وانقلب عليها .
وفي ورقاته الأخيرة يقدم عمارة تصوره للعمل بإزاء هذه الحالة المتداخلة والمتشابكة من الحركات والانفعالات الفكرية والعملية في لحظة يقظة غير مسبوقة تعيشها الأمة المسلمة .

الصندوق الأسود




مجموعة من حكايات بعض المثقفين السعوديين ، جمعها عبد الله المغلوث عبر حوارات صحفية ولقاءات شخصية أجراها مع بعض رموز الصحافة والشعر والإعلام والرواية السعوديين ، يجلو بعض غامض ماضيهم ويثير غبار أوراق عمرهم العتيق ويتطاول إلى حيث طموحاتهم المنجزة ومواقفهم المعجزة .
ضمنها الصندوق الأسود ، مستودع الأسرار ومخزن الأخبار ، مستبطن المشاعر ومكتنز المخابر ، ما يجول في الخاطر وما يسير سير العابر .
عبده خال ، تركي الدخيل ، ليلى الجهني ، محمد العلي ، بدرية البشر ، سليمان الهتلان ، وغيرهم من أعلام السعودية الثقافية والإعلامية ، تعرف خبرهم وتجري معهم في أزقة طفولتهم وتشب بين أفياء قراهم الريفية التي تركت أثرها في نفوسهم .
الكتاب خفيف ولطيف جمعه وأعده عبد الله المغلوث المبتعث هذه الأيام لدراسة الإعلام ، وقد عرفناه عبر مقالاته المميزة في جريدة الوطن السعودية .

وصايا






كتبت مرة في تويتر عن الصحفي السعودي محمد الرطيان أنه " داهية في ثوب رجل عادي " وهو من جنس الكتاب المحدثين ، الذي يكتبون بحرف يومي رشيق وبروح العصر الشابة وبنفس أفكاره الواسعة .
هذا أولى كتب الرطيان التي أتصفح أوراقها بعد قراءات متقطعه لمقالاته الصحفية المدينية المميزة التي يتناقلها الشباب بينهم وكأنها لسان حالهم والتعبير الصادق لآلامهم وآمالهم ، يجدون فيها لغة سهلة وبسيطة تروق لهم وترأف بهم من غير تكلف ولا تشدق .
عند الملامسة الأولى لحرف الرطيان ستشعر أنك تقرأ لهذيان صحفي ساذج يريد لاسمه الانتشار ولصفحته جلب الزبائن بالزعيق والنهيق ، ولكنك ستجد شعوراً آخر عندما تستمر في القراءة ، ستمر بكلماته الساخرة المحملة بهموم الإنسان وستلمح عبارات طرية ولكنها صلبة المعنى ومتينة المغنى .
وصايا .. جمع لك فيها مزيج الخبرة والقراءة والمعرفة والتبصر والتفكر ، خاطب بها نفسه وولده ومجتمعه ، أراد منها أن تكون زاداً لمسافر وقوتاً لجائع وريّاً لعطشان وسمناً لهزلان ودرعاً لمغامر وأنساً لمسامر وذخراً لمهاجر ورفيقاً لمقطوع .
أوصيك بوصايا !

الثلاثاء، 13 مارس 2012

من أمريكا إلى الشاطئ الآخر




إنه مصطفى محمود - عليه من الله أسبغ الرحمات والغفران - الذي عاش ثلاثين عاماً من الشك والحيرة والاضطراب في وجود الله وجدوى الدين وحقيقة العبادة ، ثم عاد وكأنه ما انقضى من عمره استعداد وما فات من وقته تحضير وما اتصرّم من حياته موعدة مع التغيير والإنجاز والبناء .
عاد لينطلق في سماوات الحق والمعرفة والإيمان ، هو لم يعد إلى الخلف أبداً ولكنه انتقل إلى الأمام ، تحول بقدميه إلى الطريق الصحيح ، وليس الإيمان واليقين والتصديق عودة إلى الخلف أبداً وإنما تقدم ونماء وبناء ، ولكنها عاهة الكلمات وعجز العبارات .
هذه المرة في كتاب وكعادته صغير يسير تعيش حالة وصفية أدبية هائمة في جنبات ( أمريكا ) قبلة الحضارة ومنتهى التقدم وغاية المدنية وصفوة النعيم المدني المقيم ، تتعرف وعبر كلماته الفذة وعباراته الممتدة إلى هذا العالم الكبير وهذه القطعة البشرية والجغرافية الفريدة .
لن يطول بك المقام كثيراً في أرض واشنطن ونيويورك ولوس أنجلوس ، بل ستنتقل وعبر المياه أو الجو إلى يوغسلافيا لتقف على حال المسلمين هناك ، ستعيش ذات المشاعر الإيمانية والإيجابية التي سرت في عروق كاتبنا وستسمع صوت القرآن من فم تلك البنت المؤمنة .
ثم ستشعر بالألم لأنك ستفارق هذه الأرض الطيبة وتترك هذه العشرة الملهمة إلى أرض النمسا بين إخوتك من المصريين الذي ستنسى معهم أي لذعة من لذعات الغربة القاسية .
في غمرة هذه الرحلات الممتعة سوف تطالع بعض مقالات لا أعرف ما سر اكتنازها بين شطآن الكون الساحرة وجلسات السمر الساهرة ، مثل ظاهرة الخميني وقبضة التلفزيون الحديدية وحل لمشكلة ما نهاية المطاف .

دروس من محنة البوسنة والهرسك



كنت وقتها صغيراً ، وعندما كبرت لم يغب عن بالي اسم " البوسنة والهرسك " وشتات معرفتي بها أن ثمة مسلمين تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب والاضطهاد والتقتيل بتهمة أنهم آمنوا بالله وحده ووقعوا في قبضة أغلبية قوية تخالفهم المعتقد .
وعندما تقرأ هذا الكتاب ستقف على بعض مشاهد العذاب والتنكيل التي تعرضوا لها حتى يخيل إليك أن الدماء تسيل من زوايا الكلمات ورائحة الجثث تفوح من أوراق الكتاب ، رغم أن العبارات لا تستطيع أن تعبر عن الواقع سيما إذا كان الواقع من الألم والعذاب بحيث لا تتصوره وتتخيله .
موقف الغرب لا يختلف كثيراً عن موقفه الأعرج في القضية الفلسطينية العادلة ، فهو يتحرك بداعي المصلحة الاقتصادية واللعبة السياسية القذرة وكثيراً بتحريض من الاختلاف العقدي الصارخ مع المسلمين .
ويبقى الخلاص كما يرى مؤلف الكتاب محمد قطب هو في العودة الصادقة إلى الإسلام ، وما زال هذا الحل التقليدي مدار دندنة الكثير من المؤلفين ولا نعرف من السبب في تأخر تحقيقه الشعوب أم الحكومات أم هما جميعاً ، المهم أن الدم المسلم ما زال الأكثر نزيفاً والأعراض المسلمة ما زالت الأكثر تعرضاً للانتهاك ، ونعوذ بالله من القنوط .
أما المستقبل فهو للإسلام - ولا أشك في ذلك - المستقبل لهذا الدين الجامع النافع ، لهذه العقيدة السمحة الحنيفية ، لهذا النظام الإنساني الراقي ، ولكن المسؤولية ملقاة على المسلمين أنفسهم أن يحولوا هذا المستقبل من مجرد أحلام طفل إلى حقيقة واقعة بصنيع الرجال وتضحيات الأبطال وقبل كل ذلك بطلب التوفيق من الله وتحيّن رضاه ومعونته .

دور الإسلام في تطور الفكر الفلسفي





الكتاب لوزير الأوقاف المصري محمود حمدي زقزوق ، وهو عارف بالفلسفة بدليل مؤلفاته التي تدور حول فلكها ورسالة الدكتوراة التي أنجزها ، ولعله ضمن الثلة الذين حاولوا أن يقربوا ذات بين ديننا الإسلامي وجهاز لفلسفة العقلي والتاريخي .
ورغم أن الفلسفة لا تملك حضوراً إلا مشوهاً في العقلية الإسلامية الشرعية وموقعاً غير أثير لديهم  ، إلا أن الإسلام كدين شمولي وحضاري لابد وأنه احتفى بالفلسفة كقدرة إنسانية راقية ولكنه بحدود وشروط على عادة الإسلام في تناوله الموضوعي والمنصف للأمور .
إذ كيف تحرم أمة ما - ومنها المسلمة - من ثمرات الفلسفة التي تعود إليها فضيلة بناء ترسانة فكرية وثقافية لأي مجتمع أو أمة تنوي الانطلاق والنهضة وبناء حضور مستقل وفاعل في خارطة الكون 
المؤلف بسيط وميسر وخفيف وهو محاولة جادة من زقزوق وحسب فهمه لدور الإسلام في تطور الفكر الفلسفي ، واعتبر هذا دور قائم على موقف الإسلام من ( الإنسان - العقل - التاريخ ) وهي نظرة إسلامية مستنيرة وشمولية وذكية .

بيكاسو وستاربكس



يفترض بكل قارئ سواء للتسلية أو للفائدة أو للعمل أن يجرب مقالات الإماراتي ياسر حارب الصحفية التي تتسم بالخفة والرشاقة والمعلومة الغنية ، إنه يقرأ الحياة بعين الشاب العصري المثقف والعملي ثم يعيد كتابتها بروح جديدة تسكن في مقاهي ستار بكس وتحلق في أفياء الدنيا  .
سوف يكتشف أن شباب هذا الزمان بقدر ما يملكون من العلم والمعرفة والقدرة على التغيير يمتازون بروح منطلقة ونفس شفافة رقيقة لم تبتني فيهم ماديات الحياة الغتامة والبؤس ، بل ساعدتهم على التحرر والانطلاق بحب وحماس .
حزمة مقالات متنوعة في الاجتماع والفن والحياة والذوق ، ترى الوجود جميلاً وتنساب في أطراف المعارف وتنتقي لك من أطيب البساتين وأغزر الميادين .
المؤلف مكتوب بلغة بسيطة ويحمل في ثناياه بعض النقد لأوضاع اجتماعية ما ، كما يحمل قراءة شاب متطلع ومثقف لبعض معاني الكون كما لو أنك لم تعرفها من قبل ، حقيق بمثل هذه الكلمات أن تقرأها بتمعن ودراية ولا تمر بها لمجرد التسلية أو لاستجلاب النوم إذ فيه ثراءاً غنياً ومعرفة متينة وأقل ما سينالك من تأثير ورقاته أنك ستعيد التفكير في تصوراتك البالية حول الحياة .
اقرأ هذا الكتاب وأنت تشرب كوباً من القهوة التقليدية مطبوخة بعناية وعلى روية على خلاف أكواب القهوة الحديثة التي لا تسرق وقتك من حيث تجهيزها ولكنها تسلب قدرتك على تذوق الحياة برمتها .