الأربعاء، 17 فبراير 2016

في مديح الثورة



في مديح الثورة
- النهر ضد المستنقع - 

يخيل لي أحياناً رجل واثق من عقله ، يجلس على أريكته مكتظاً باللحم في أطرافه ، يطالع يومياً مستوى الدم الذي ينزف في سوريا ومثله في اليمن وقريباً منه في ليبيا ، وارتباكاً في مصر وتردداً في تونس ثم يهز رأسه مستذكراً حجم عبقريته يوم تنبأ بهذه النتيجة القاتمة للثورة .
يسترجع جملة مقالاته ومقابلاته التلفزيونية وهو يحذر من الثورات ويلوم أصحابها وربما خونهم وجردهم من وطنيتهم واتهمهم بالفوضى والتخريب ونوايا السوء وكل الشرور ، والدليل ما يحدث الآن .
يذهب أبعد من ذلك ويطالب باستعادة الأوضاع ما قبل الثورات ، ويتهكم بهذه الانتفاضات ويستكبر أن يسميها ربيعاً للعرب بل ليس أكثر من مؤامرة غربية امتطاها الإسلاميون لقطف ثمرة حلمهم الأثير والاستئثار بالسلطة ودعشنة كل شيء .
تراجع الحلم الربيعي الذي انتشر مثل تيار كهربائي ألهب أحلام الشباب وأزاح عن الكهول غمامة اليأس في مستقبل يضيق به العمر وهو على عتبة الأجل ، تراجع الحلم وأصبح تهمة .

أن تقرأ كتاباً في مديح الثورة في عزّ التبعات غير المحمودة لانتفاضات الربيع العربي ، فهو إما البرود والانفصال عن الواقع ، أو مثل استعادة الكهل لأحلام الصبا إذ يجد بعض مستراحه ، أو هو مثل إعادة التمعن في أخطاء الطريق وانثناءات غير مقصودة أودت إلى مثل هذا .
أو صدفة من غير ميعاد ، لا ترتيب سوى ما فرضته فوضى العناوين في مكتبتي قادني لهذا العنوان لخالد الحروب .
الحروب يرى الثورة ضرورة ، والتغيير حتمية ، لأنه وباختصار " دوام الحال من المحال " فضلاً عن عمل بعض الأنظمة على تنمية الظروف الموضوعية للانفجار الشعبي في وجهها وانبجاس النهر من مصبات الواقع المحتقن ضد مستنقع السياسة الآسن وقد أريد له أن يعيش أبداً .
الشاعرية تحيط كلمات المنطق أو تحيق بها أحياناً ، منذ العنوان وحتى آخر رمق من الكتاب إذ يعاود محمود درويش إطلالته الأيقونية وكأنه اكتشف ما يطويه المستقبل بالنسبة له ، الذي أصبح بالنسبة لنا هو الحاضر بطبيعة الحال .
في الكتاب عناوين مشهورة عن الثورات ، أصبحت لازمة لكثرة ما استخدمت وقتئذ ، عناوين مثل الحرية واستقرار الاستبداد والإسلاميون والانتخابات والعلمانية وسواها ، ليس ثمة معالجات جديدة غير دفقة الأمل والثقة بالتغيير على نحو يحقق للشعوب مرادها ويجلّي سهادها .


الواقع يمر بانتكاسة تتطلب القليل من الحلم والشاعرية والكثير من العمل والدأب والعقلانية ، حتى تمر المنطقة من نفقها المظلم إلى النور الخافت الذي يلمع بوهن في النهاية .

جلطة .. ومات



جلطة .. ومات

ما تعرفه عن صالح الخليف هو الطرف الظاهر من جبله المتجمد ، ذلك الجسد النحيل الذي يشاغب في مضماره الرياضي منحوت من قصص يخور أمامها الغلاظ الشداد ، لو قرأت كتابه الذي كتبه بقلب يخفق بوهن لشعرت أن الخليف غمس في الهم حتى لم يذق في حياته طعم الأنس أبداً .
كان يفترض به أن يكتب على صدر روايته الواقعية تنصيصاً يمنع أصحاب الإحساس المرهف عن قراءة الكتاب ، فهو سلسلة من قصص المأساة وغصص الحياة .
وإذا تعودت النظر إلى الجزء الفاضل والشق المناضل من قصته ، فإنك ستجده في قصة الرجل بصورتها الأعمّ ، فهو رئيس تحرير ناجح ، شق طريقه من وعثاء الظروف وكآبة المواقف ، وكابد كل التحديات التي يمكن أن تعترض الإنسان واستقرّ اسماً لامعاً في الصحافة الرياضية .
وإلا فإن الكتاب قطعة من عذاب وقليلاً ما ستجد ما يحرضك على التفاؤل ، ولا أعرف لم كتب بهذه الطريقة البائسة ، إلا إذا أراد أن يخفف من توقعاتنا المثالية تجاه الدنيا ، فهو يخلق تواضع الأحلام ويخنق توارد الأوهام ، ويضعك أمام حقيقة الحياة عارية من المضافات ، يقول لك باختصار الحياة ليست مريحة باستمرار .